الأربعاء، 30 أكتوبر 2019

مفهوم الردة بين تقرير السلف وجناية الخلف



بسم الله الرحمن الرحيم

إن مِن البلايا التي عمّت في هذا الزمان، ومِن الفِتن التي ظهرت، كلامُ من هبّ ودبّ في دين الله عز وجل، قال في جامع بيان العلم وفضله: 2410 - ﺃﺧﺒﺮﻧﺎ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ ﺑﺸﺮ، ﺛﻨﺎ اﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺩﻟﻴﻢ، ﺛﻨﺎ اﺑﻦ ﻭﺿﺎﺡ، ﺛﻨﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻳﺤﻴﻰ ﺑﻦ ﺇﺳﻤﺎﻋﻴﻞ اﻟﺼﺪﻓﻲ، ﻗﺎﻝ ﺃﻧﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻭﻫﺐ، ﻗﺎﻝ: ﺣﺪﺛﻨﻲ ﻣﺎﻟﻚ، ﻗﺎﻝ: ﺃﺧﺒﺮﻧﻲ ﺭﺟﻞ ﺃﻧﻪ ﺩﺧﻞ ﻋﻠﻰ ﺭﺑﻴﻌﺔ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﻓﻮﺟﺪﻩ ﻳﺒﻜﻲ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ: ﻣﺎ ﻳﺒﻜﻴﻚ؟ ﻭاﺭﺗﺎﻉ ﻟﺒﻜﺎﺋﻪ ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ: ﺃﻣﺼﻴﺒﺔ ﺩﺧﻠﺖ ﻋﻠﻴﻚ؟ ﻓﻘﺎﻝ: ﻻ، ﻭﻟﻜﻦ اﺳﺘﻔﺘﻲ ﻣﻦ ﻻ ﻋﻠﻢ ﻟﻪ ﻭﻇﻬﺮ ﻓﻲ اﻹﺳﻼﻡ ﺃﻣﺮ ﻋﻈﻴﻢ، ﻗﺎﻝ ﺭﺑﻴﻌﺔ: ﻭﻟﺒﻌﺾ ﻣﻦ ﻳﻔﺘﻲ ﻫﺎ ﻫﻨﺎ ﺃﺣﻖ ﺑﺎﻟﺴﺠﻦ ﻣﻦ اﻟﺴﺮاﻕ.

وإن مِن أمارات الشر في هذا الزمان اتخاذ الجهلة رؤوسا في العلم، أخرج البخاري في باب "كيف يقبض العلم" قال: 100 - ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺇﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺃﻭﻳﺲ، ﻗﺎﻝ ﺣﺪﺛﻨﻲ ﻣﺎﻟﻚ، ﻋﻦ ﻫﺸﺎﻡ ﺑﻦ ﻋﺮﻭﺓ، ﻋﻦ ﺃﺑﻴﻪ، ﻋﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﻤﺮﻭ ﺑﻦ اﻟﻌﺎﺹ ﻗﺎﻝ: ﺳﻤﻌﺖ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻳﻘﻮﻝ: «ﺇﻥ اﻟﻠﻪ ﻻ ﻳﻘﺒﺾ اﻟﻌﻠﻢ اﻧﺘﺰاﻋﺎ ﻳﻨﺘﺰﻋﻪ ﻣﻦ اﻟﻌﺒﺎﺩ، ﻭﻟﻜﻦ ﻳﻘﺒﺾ اﻟﻌﻠﻢ ﺑﻘﺒﺾ اﻟﻌﻠﻤﺎء، ﺣﺘﻰ ﺇﺫا ﻟﻢ ﻳﺒﻖ ﻋﺎﻟﻤﺎ اﺗﺨﺬ اﻟﻨﺎﺱ ﺭءﻭﺳﺎ ﺟﻬﺎﻻ، ﻓﺴﺌﻠﻮا ﻓﺄﻓﺘﻮا ﺑﻐﻴﺮ ﻋﻠﻢ، ﻓﻀﻠﻮا ﻭﺃﺿﻠﻮا» ﻗﺎﻝ اﻟﻔﺮﺑﺮﻱ: ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻋﺒﺎﺱ، ﻗﺎﻝ: ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻗﺘﻴﺒﺔ، ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺟﺮﻳﺮ، ﻋﻦ ﻫﺸﺎﻡ ﻧﺤﻮﻩ.

قال الطبراني في المعجم الكبير -8591: حدثنا أبو خليفة الفضل بن الحباب، ثنا محمد بن كثير، عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن زيد بن وهب، عن عبد الله، قال: «لن يزال الناس بخير ما أتاهم العلم من قبل أكابرهم، وذوي أسلافهم، فإذا أتاهم من قبل أصاغرهم هلكوا» هكذا رواه شعبة، عن أبي إسحاق، عن زيد بن وهب.

وقال اللالكائيّ في شرح الأصول -103: أخبرنا عبيد الله بن محمد بن أحمد، ثنا أحمد بن محمد بن الصباح الهروي، قال: سمعت أبا حامد قال: سمعت إبراهيم الحربي يقول في قوله: «لا يزالون بخير ما أتاهم العلم من قبل كبرائهم» معناه أن الصغير إذا أخذ بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين فهو كبير، وإن أخذ بالرأي وترك السنن فهو صغير.

وأدخل في المقصود إن شاء الله، فقد خرج علينا فئام من الناس يزعمون أنهم على منهج السلف، وهم في الحقيقة على منهج الخوارج والمعتزلة.

وذلك لما ذكرنا لهم مخالفتهم للسلف في الطوائف التني تنطق بالشهادتين كالجهمية والرافضة والمعتزلة وغيرهم، حيث إن السلف متظافرون على تسميتهم أهل ردة كنوع وليس كأعيان، ولم يَزَل ذلك اسمهم ووصفهم عند السلف حتى انقضت القرون المفضلة، وانتشرت الأقوال المخالفة للسلف أكثر مما كانت عليه في الأصول والفروع، قال أبو حاتم الرازي: (العلم عندنا ما كان عن الله تعالى من كتاب ناطق ناسخ غير منسوخ، وما صحت به الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما لا معارض له، وما جاء عن الألباء من الصحابة ما اتفقوا عليه، فإذا اختلفوا لم يخرج من اختلافهم، فإذا خفي ذلك ولم يفهم فعن التابعين، فإذا لم يوجد عن التابعين فعن أئمة الهدى من أتباعهم، مثل أيوب السختياني وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وسفيان ومالك والأوزاعي والحسن بن صالح، ثم ما لم يوجد عن أمثالهم فعن مثل عبد الرحمن بن مهدي وعبد الله بن المبارك وعبد الله بن إدريس ويحيى بن آدم وابن عيينة ووكيع بن الجراح، ومن بعدهم محمد بن إدريس الشافعي ويزيد بن هارون والحميدي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي وأبي عبيد القاسم بن سلام.) إعلام الموقعين (2/175)

وهذا أصل عظيم ينبني على تقريره هذه المسألة، فإن تناسل هؤلاء الطوائف لم يحدث إلا بعد عصر الصحابة، وبطبيعة الحال فأول جيل سيكون في عصر التابعين، فوجب المصير إلى ما قرره التابعون وأتباعهم.

وإن أقوال السلف مشتهرة في الحكم بردة هذه الطوائف كنوع وليس كأعيان، ننقل بعضها هنا إن شاء الله.

قال طلحة بن مصرف - رحمه الله - (من التابعين): (الرافضة لا تنكح نساؤهم ولا تؤكل ذبائحهم لأنهم أهل ردة.) الشرح والإبانة لابن بطة.

قال اللالكائيّ في شرح الأصول 2817 - ﻧﺎ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻣﻴﻤﻮﻥ اﻟﻨﻬﺮﺳﺎﺑﺴﻲ، ﻗﺎﻝ: ﻧﺎ ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻣﻮﺳﻰ اﻟﺨﻄﻴﺐ، ﻗﺎﻝ: ﻧﺎ ﺃﺑﻮ ﺟﻌﻔﺮ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ...، ﻗﺎﻝ: ﺳﻤﻌﺖ اﻟﺪﻭﺭﻱ ﻳﻘﻮﻝ: ﺳﻤﻌﺖ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻳﻮﻧﺲ ﻳﻘﻮﻝ: (ﺇﻧﺎ ﻻ ﻧﺄﻛﻞ ﺫﺑﻴﺤﺔ ﺭﺟﻞ ﺭاﻓﻀﻲ، ﻓﺈﻧﻪ ﻋﻨﺪﻱ ﻣﺮﺗﺪ.)

وأحمد بن يونس رحمه الله من أتباع التابعين، أي بعد خروج الرافضة الذين حرقهم علي بنحو جيلين.

قال عبدالله في السنة 38 - ﻗﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﻭﺫﻛﺮ ﺣﺴﻦ ﺑﻦ اﻟﺒﺰاﺭ ﻗﺎﻝ: ﻭﺃﺧﺒﺮﻧﻲ ﺇﺳﺤﺎﻕ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻋﻤﺮﻭ، ﻗﺎﻝ: ﻗﻴﻞ ﻟﻮﻛﻴﻊ ﻓﻲ ﺫﺑﺎﺋﺢ اﻟﺠﻬﻤﻴﺔ، ﻗﺎﻝ: «ﻻ ﺗﺆﻛﻞ ﻫﻢ ﻣﺮﺗﺪﻭﻥ»

وقال في الإبانة الكبرى: 314 - ﻗﺎﻝ: ﻭﺃﻧﺎ اﻟﻤﺮﻭﺫﻱ، ﻗﺎﻝ: (ﺳﺄﻟﺖ ﺃﺑﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﻋﻦ اﻟﺠﻬﻤﻲ ﻳﻤﻮﺕ ﻭﻟﻪ اﺑﻦ ﻋﻢ ﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﻭاﺭﺙ ﻏﻴﺮﻩ، ﻓﻘﺎﻝ: ﻗﺎﻝ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ: «ﻻ ﻳﺮﺙ اﻟﻤﺴﻠﻢ اﻟﻜﺎﻓﺮ». ﻗﻠﺖ: ﻓﻼ ﻳﺮﺛﻪ؟ ﻗﺎﻝ: ﻻ. ﻗﻠﺖ: ﻓﻤﺎ ﻳﺼﻨﻊ ﺑﻤﺎﻟﻪ؟ ﻗﺎﻝ: ﺑﻴﺖ اﻟﻤﺎﻝ، ﻧﺤﻦ ﻧﺬﻫﺐ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻣﺎﻝ اﻟﻤﺮﺗﺪ ﻟﺒﻴﺖ اﻟﻤﺎﻝ.)

والجهمية المعطلة لصفات الخالق -عز وجل- مشركون واسوء شركا من اليهود والنصارى، وإمامهم الجهم بن صفوان مقتول في سنة (128) هـ ولم يزل أهل العلم بعد جيله يسمون الجهمية بالمرتدين والزنادقة.

وهذا مقال في بيان بعض وجوه أن الجهمية المعطلة للصفات مشركين ↓↓


وهذا مقال اخر في بيان أن كفرهم اشد واظهر من اليهود والنصارى ↓↓


أما ما نقله صاحب المغني عن الإمام أحمد رحمه الله أنه يعتبر أن أبناء المرتدين لهم حكم الكفار الأصليين، فهذا لم يصح، ولا توجد رواية لهذا بالسند عنه رحمه الله، بل الثابت عنه عكس هذا، وليس كل ما زعم رجل منتسب لمذهب أحمد أن هذا قول أحمد في المسألة يُصدَّق في زعمه، وابن قدامة عُرف ببدعة التفويض، فكيف يُقبل نقله هذا ولم يُسنده.

وأكتفي بهذه النقولات ففيها كفاية لطالب الحق إن شاء الله، وتوجد نقولات أخرى عن الإمام أحمد وغيره كتلميذه ابن هانئ، وغيرهما.

وذلك أن المخالف لا يرد هذه الأقوال، بل يثبتها ويتأولها على غير حقيقتها، فكان ردهم لما احتج عليهم بعض الإخوة بهذه الآثار أن قالوا: ذاك زمان السلف، كان التوحيد ظاهرا والأصل أن من كان في دار الإسلام فهو مسلم فإن أتى بناقض فيحكم بردته، وهذا وجه حكم السلف على هذه الطوائف بالردة، أقول مستعينا بالله: هذا القول باطل من عدة أوجه:

1- أن السلف تكلموا في حكم الرافضة والجهمية وغيرهم كطائفة وليس كأعيان، فالكلام عن الطائفة والحكم عليها يتناول أول خروجها حتى وقتهم، وهذا ظاهر بين في قولهم (أهل ردة) أو (مرتدون)، ثم إن الموطن موطن بيان حكم فوجب المصير للتفصيل، ولو كان الأمر كما زعموا لقالوا: وإن نشأ على ذلك فهو كافر أصلي كما وجدنا تفصيلات السلف في أقل من هذا كحكم استتابة المرتد والتفريق بين أن يكون ولد على الإسلام أو انتقل من الكفر إلى الإسلام ثم رجع عنه وغيرها من المسائل.

2- لا شك أنه كان في زمان السلف أهل كتاب يعيشون في دار الإسلام، فهل تقولون بأن اليهودي والنصراني وقتها مرتد لأنك قد تثبت له الإسلام بتبعيته للدار ثم تحكم عليه بالردة بعدما يتبين لك كفره ؟!! هذا ما يقتضيه قياسكم ودينكم الفاسد، وهل الآن في عصرنا هذا إذا حكمنا بإسلام رجل أظهر لنا التوحيد ثم تبين لنا أنه قائم على ناقض من صغره، فهل يكون حكمنا عليه بالكفر الأصلي لأننا كنا قد أثبتنا له الإسلام ؟؟

3- أن السلف رحمهم الله قد تكلموا في أعيان معروفين بزندقتهم لم يدخلوا الإسلام الحقيقي يوما ومع ذلك حكموا بردتهم، وخذ مثالاً على ذلك بشر المريسي.

قال عبدالله في السنة: 57 - ﺣﺪﺛﻨﻲ ﺇﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ﺑﻦ ﻋﺒﻴﺪ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻛﺮﻳﻤﺔ اﻟﺤﺮاﻧﻲ، ﻗﺎﻝ ﺳﻤﻌﺖ ﺷﺒﺎﺑﺔ ﺑﻦ ﺳﻮاﺭ، ﻳﻘﻮﻝ: (اﺟﺘﻤﻊ ﺭﺃﻳﻲ ﻭﺭﺃﻱ ﺃﺑﻲ اﻟﻨﻀﺮ ﻫﺎﺷﻢ ﺑﻦ ﻗﺎﺳﻢ ﻭﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻔﻘﻬﺎء ﻋﻠﻰ ﺃﻥ اﻟﻤﺮﻳﺴﻲ ﻛﺎﻓﺮ ﺟﺎﺣﺪ ﻧﺮﻯ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﺘﺎﺏ ﻓﺈﻥ ﺗﺎﺏ ﻭﺇﻻ ﺿُﺮﺑﺖ ﻋﻨﻘﻪ)

قلت: لا عَجَب ! فقد يخرج علينا من يكفر السّلف ويبدعهم لأنهم حكموا بردة المريسي ولم يحكموا بكفره الأصلي، لأنهم قالوا: يُستتاب، فإن الاستتابة لا تكون لكافر أصلي، وبِشر المريسي انتقل من اليهودية إلى التجهم ولم يشمّ رائحة الإسلام الحقيقي بل دخل بالاسلام الحكمي، ومن زعم أنه قد دخل في الإسلام الحقيقي يوما واحدا فهو أحد رجلين:

1- جاهل بحاله
2- أو جاهل بالتوحيد.

ﻗﺎﻝ ﺃﺑﻮ اﻟﻨﻀﺮ ﻫﺎﺷﻢ ﺑﻦ اﻟﻘﺎﺳﻢ: (ﻛﺎﻥ ﻭاﻟﺪ ﺑﺸﺮ اﻟﻤﺮﻳﺴﻲ ﻳﻬﻮﺩﻳﺎ ﻗﺼﺎﺑﺎ ﺻﺒﺎﻏﺎ ﻓﻲ ﺳﻮﻳﻘﺔ ﻧﺼﺮ ﺑﻦ ﻣﺎﻟﻚ.) ميزان الاعتدال (1/322)

ﻭﻗﺎﻝ اﻟﻤﺮﻭﺯﻱ: ﺳﻤﻌﺖ ﺃﺑﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺫﻛﺮ ﺑﺸﺮا ﻓﻘﺎﻝ: (ﻛﺎﻥ ﺃﺑﻮﻩ ﻳﻬﻮﺩﻳﺎ.) ميزان الاعتدال (1/323)

ﻭﺃﺧﺮﺝ اﻟﺨﻄﻴﺐ ﺑﺴﻨﺪﻩ ﻋﻦ ﺇﺳﺤﺎﻕ ﺑﻦ ﺇﺑﺮاﻫﻴﻢ ﻟﺆﻟﺆ ﻗﺎﻝ: (ﻣﺮﺭﺕ ﻓﻲ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻓﺈﺫا ﺑﺸﺮ اﻟﻤﺮﻳﺴﻲ ﻭاﻟﻨﺎﺱ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﺠﺘﻤﻌﻮﻥ، ﻓﻤﺮ ﻳﻬﻮﺩﻱ ﻓﺄﻧﺎ ﺳﻤﻌﺘﻪ ﻳﻘﻮﻝ: ﻻ ﻳﻔﺴﺪ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻛﺘﺎﺑﻜﻢ ﻛﻤﺎ ﺃﻓﺴﺪ ﺃﺑﻮﻩ ﻋﻠﻴﻨﺎ اﻟﺘﻮﺭاﺓ! ﻳﻌﻨﻲ ﺃﻥ ﺃﺑﺎﻩ ﻛﺎﻥ ﻳﻬﻮﺩﻳﺎ.) تاريخ بغداد (7/61)

فهذا بشر المريسي كان معروفا بكفره حتى عند اليهود فكيف يقال إن كفره وأمثاله كان خفيا في دار الإسلام.

ﺃﺧﺮﺝ اﻟﺨﻄﻴﺐ ﺑﺴﻨﺪﻩ ﺇﻟﻰ ﺃﺑﻲ ﻣﺴﻠﻢ ﺻﺎﻟﺢ ﺑﻦ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺻﺎﻟﺢ اﻟﻌﺠﻠﻲ، ﺣﺪﺛﻨﻲ ﺃﺑﻲ ﻗﺎﻝ: (ﺭﺃﻳﺖ ﺑﺸﺮ اﻟﻤﺮﻳﺴﻲ - ﻋﻠﻴﻪ ﻟﻌﻨﺔ اﻟﻠﻪ - ﻣﺮﺓ ﻭاﺣﺪﺓ ﺷﻴﺨﺎ ﻗﺼﻴﺮا ﺩﻣﻴﻢ اﻟﻤﻨﻈﺮ، ﻭﺳﺦ اﻟﺜﻴﺎﺕ، ﻭاﻓﺮ اﻟﺸﻌﺮ، ﺃﺷﺒﻪ ﺷﻲء ﺑﺎﻟﻴﻬﻮﺩ، ﻭﻛﺎﻥ ﺃﺑﻮﻩ ﻳﻬﻮﺩﻳﺎ ﺻﺒﺎﻏﺎ ﺑﺎﻟﻜﻮﻓﺔ ﻓﻲ ﺳﻮﻕ اﻟﻤﺮاﺿﻊ، ﺛﻢ ﻗﺎﻝ: ﻻ ﻳﺮﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ ﻟﻘﺪ ﻛﺎﻥ ﻓﺎﺳﻘﺎ.) تاريخ بغداد (7/61)

وقال عبدالله في السنة 37 - ﺣﺪﺛﻨﻲ ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﺑﻦ ﺯﻧﺠﻮﻳﻪ، ﺣﺪﺛﻨﻲ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺩاﻭﺩ اﻟﺤﺮاﻧﻲ، ﺳﻤﻌﺖ ﻭﻛﻴﻌﺎ، ﻳﻘﻮﻝ: «اﻟﻘﺮﺁﻥ ﻛﻼﻡ اﻟﻠﻪ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ ﺃﻧﺰﻟﻪ ﺟﺒﺮﻳﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ اﻟﺴﻼﻡ ﻛﻞ ﺻﺎﺣﺐ ﻫﻮﻯ ﻳﻌﺮﻑ اﻟﻠﻪ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ ﻭﻳﻌﺮﻑ ﻣﻦ ﻳﻌﺒﺪ ﺇﻻ اﻟﺠﻬﻤﻴﺔ ﻻ ﻳﺪﺭﻭﻥ ﻣﻦ ﻳﻌﺒﺪﻭﻥ. ﺑﺸﺮ اﻟﻤﺮﻳﺴﻲ ﻭﺃﺻﺤﺎﺑﻪ»

قلت: فهل المريسي الذي لا يعرف من يعبد دخل في الاسلام الحقيقي يوما

4- ثم إنه لا يخفى على أحد نظر في كتب أهل العلم كيف كانت ظهور الزندقة والبدع الكفرية وكان الناس يعلنون بها على المنابر، ويصلون بالناس الجمع والجماعات.

قال البربهاري - رحمه الله - وهو يتكلم عن ظهور البدع الكفرية في زمانه ومن قبل: ﻓﺼﺎﺭﺕ اﻟﺴﻨﺔ ﻭﺃﻫﻠﻬﺎ ﻣﻜﺘﻮﻣﻴﻦ، ﻭﻇﻬﺮﺕ اﻟﺒﺪﻋﺔ ﻭﻓﺸﺖ، ﻭﻛﻔﺮﻭا ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻻ ﻳﻌﻠﻤﻮﻥ ﻣﻦ ﻭﺟﻮﻩ ﺷﺘﻰ، ﻭﻭﺿﻌﻮا اﻟﻘﻴﺎﺱ، ﻭﺣﻤﻠﻮا ﻗﺪﺭﺓ اﻟﺮﺏ ﻓﻲ ﺁﻳﺎﺗﻪ ﻭﺃﺣﻜﺎﻣﻪ ﻭﺃﻣﺮﻩ ﻭﻧﻬﻴﻪ ﻋﻠﻰ ﻋﻘﻮﻟﻬﻢ، ﻓﻤﺎ ﻭاﻓﻖ ﻋﻘﻮﻟﻬﻢ ﻗﺒﻠﻮﻩ ﻭﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻮاﻓﻖ ﻋﻘﻮﻟﻬﻢ ﺭﺩﻭﻩ، ﻓﺼﺎﺭ اﻹﺳﻼﻡ ﻏﺮﻳﺒﺎ، ﻭاﻟﺴﻨﺔ ﻏﺮﻳﺒﺔ، ﻭﺃﻫﻞ اﻟﺴﻨﺔ ﻏﺮﺑﺎء ﻓﻲ ﺟﻮﻑ ﺩﻳﺎﺭﻫﻢ.

وقال أيضا: ﻓﺪاﻣﺖ ﻟﻬﻢ اﻟﻤﺪﺓ، ﻭﻭﺟﺪﻭا ﻣﻦ اﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻣﻌﻮﻧﺔ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ، ﻭﻭﺿﻌﻮا اﻟﺴﻴﻒ ﻭاﻟﺴﻮﻁ ﺩﻭﻥ ﺫﻟﻚ، ﻓﺪﺭﺱ ﻋﻠﻢ اﻟﺴﻨﺔ ﻭاﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻭﺃﻭﻫﻨﻮﻫﻤﺎ ﻭﺻﺎﺭﺗﺎ ﻣﻜﺘﻮﻣﻴﻦ؛ ﻹﻇﻬﺎﺭ اﻟﺒﺪﻉ ﻭاﻟﻜﻼﻡ ﻓﻴﻬﺎ ﻭﻟﻜﺜﺮﺗﻬﻢ، ﻭاﺗﺨﺬﻭا اﻟﻤﺠﺎﻟﺲ، ﻭﺃﻇﻬﺮﻭا ﺭﺃﻳﻬﻢ، ﻭﻭﺿﻌﻮا ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻜﺘﺐ، ﻭﺃﻃﻤﻌﻮا اﻟﻨﺎﺱ، ﻭﻃﻠﺒﻮا ﻟﻬﻢ اﻟﺮﻳﺎﺳﺔ، ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻓﺘﻨﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻟﻢ ﻳﻨﺞ ﻣﻨﻬﺎ ﺇﻻ ﻣﻦ ﻋﺼﻢ اﻟﻠﻪ. شرح السنة للبربهاري.

فكيف يقال: إن بدعهم لم تكن ظاهرة؟

ولو سلمنا بهذا الكلام فقد قلنا أن السلف تكلموا عن الطوائف بالعموم وبينوا ردتها ولم يكن كلامهم فقط عن أعيان يكتمون بدعهم.

وفي قصة يعقوب القمي - رحمه الله - ما يبين بطلان ما زعموه، أن الرافضة وغيرهم لم تكن لهم شوكة ليظهروا كفرهم، ويعقوب القمي هو أبو الحسن، توفي في 180 من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، كان قد ولد بقم، وهي بلدة أغلبها روافض، ﻗﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﻧﻌﻴﻢ: ﻛﺎﻥ ﺟﺮﻳﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻤﻴﺪ ﺇﺫا ﺭﺁﻩ ﻗﺎﻝ: (ﻫﺬا ﻣﺆﻣﻦ ﺁﻝ ﻓﺮﻋﻮﻥ، ﻳﻌﻨﻲ ﻟﻜﺜﺮﺓ اﻟﺮاﻓﻀﺔ ﺑﻘﻢ.) تاريخ الإسلام (4/767)

قال أبو الشيخ الأصبهاني: ﻳﻌﻘﻮﺏ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ اﻷﺷﻌﺮﻱ اﻟﻘﻤﻲ ﻳﻜﻨﻰ ﺑﺄﺑﻲ اﻟﺤﺴﻦ، ﺭﻭﻯ ﻋﻨﻪ ﺟﺮﻳﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻤﻴﺪ، ﻭﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﻣﻬﺪﻱ، ﻭﻋﺎﻣﺔ ﻣﻦ ﺃﺩﺭﻛﻪ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ اﻟﻌﺮاﻕ، ﻭﻛﺎﻥ ﺟﺮﻳﺮ ﺇﺫا ﻣﺮ ﺑﻪ ﻳﻌﻘﻮﺏ اﻟﻘﻤﻲ ﻳﻘﻮﻝ: (ﻫﺬا ﻣﺆﻣﻦ ﺁﻝ ﻓﺮﻋﻮﻥ.) طبقات المحدثين بأصبهان (2/34)

وقال أيضا: ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻳﺤﻴﻰ ﻗﺎﻝ: ﺳﻤﻌﺖ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﻤﺰﺓ، ﻳﻘﻮﻝ: (ﺗﺤﻮﻝ ﻳﻌﻘﻮﺏ اﻟﻘﻤﻲ، ﻋﻦ ﻗﺼﺒﺔ ﻗﻢ، ﺇﻟﻰ ﻗﺮﻳﺔ ﺧﺎﺭﺟﺔ ﻣﻦ ﻗﻢ، ﻓﻜﺎﻥ ﻳﻘﻮﻝ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻳﻮﻡ، ﺃﻭ ﻓﻲ ﺃﻭﻗﺎﺕ، ﻟﺨﺎﺩﻣﻪ: ﺃﺷﺮﻑ ﻋﻠﻰ ﺃﻫﻞ اﻟﻘﺮﻳﺔ، ﻫﻞ ﺧﺴﻒ ﺑﻬﻢ اﻟﺒﺎﺭﺣﺔ؟) طبقات المحدثين بأصبهان (2/35)

فإذا تأملت هذا ظهر لك بطلان ما زعموه من أن الرافضة كانوا لا يُعرفون، وأن السلف حكموا بردتهم لأنهم لم يظهروا الكفر ابتداء، فها هي قم فيها شوكة للرافضة، ولم يُنقل عن أحد من السلف أنه قال الرافضة هناك حكمهم غير وحكم عليهم بالكفر الأصلي او كفرهم بالعموم البدعي دون تفريق بين النوع والعين.

وهؤلاء القوم يتفاوتون في ضلالهم، فمنهم من بدّعَنا لقولنا هذا، ومنهم من اعتدى وزاد في الاعتداء فأكفرنا وأكفَر من لم يكفرنا، ونحن قلنا ونقول ونعيد: إننا نحكم بردتهم لا لأنهم دخلوا الإسلام الحقيقي وخرجوا منه، فهذا حصر وقُصور لمعنى الردة عند السلف، فالمرتد قد يكون دخل الإسلام الحقيقي وخرج منه، أو قد يسمى مرتدا لأن أحكام المرتد تُطبَّق عليه، فنحن لا نقصد بالردة أنه دخل الإسلام الحقيقي بل دخل الاسلام الحكمي بالشهادة ثم نقضه بالشرك، وهذا ثابت عن أهل العلم.

ومن هذا يستفاد أن باب الأسماء والاحكام يأخذ من الكتاب والسنة وليس من العقل كما عند المعتزلة.

قال ابن بطة في الإبانة الكبرى:

301 - ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺃﺑﻮ ﺣﻔﺺ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺭﺟﺎء، ﻗﺎﻝ: ﻧﺎ ﻋﺼﻤﺔ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻋﺼﻤﺔ، ﻗﺎﻝ: ﻧﺎ اﻟﻔﻀﻞ، ﻗﺎﻝ: ﻧﺎ ﺃﺑﻮ ﻃﺎﻟﺐ، ﻗﺎﻝ: ﻗﻠﺖ ﻷﺑﻲ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ: (ﻗﺎﻝ ﻟﻲ ﺭﺟﻞ: ﻟﻢ ﻗﻠﺖ: ﻣﻦ ﻛﻔﺮ ﺑﺂﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻓﻘﺪ ﻛﻔﺮ؟ ﻫﻮ ﻛﺎﻓﺮ ﻣﺜﻞ اﻟﻴﻬﻮﺩﻱ ﻭاﻟﻨﺼﺮاﻧﻲ ﻭاﻟﻤﺠﻮﺳﻲ، ﺃﻭ ﻛﺎﻓﺮ ﺑﻨﻌﻤﺔ، ﺃﻭ ﻛﺎﻓﺮ ﺑﻤﻘﺎﻟﺘﻪ؟ ﻗﻠﺖ: ﻻ ﺃﻗﻮﻝ ﻫﻮ ﻛﺎﻓﺮ ﻣﺜﻞ اﻟﻴﻬﻮﺩﻱ ﻭاﻟﻨﺼﺮاﻧﻲ ﻭاﻟﻤﺠﻮﺳﻲ، ﻭﻟﻜﻦ ﻣﺜﻞ اﻟﻤﺮﺗﺪ، ﺃﺳﺘﺘﻴﺒﻪ ﺛﻼﺛﺎ، ﻓﺈﻥ ﺗﺎﺏ ﻭﺇﻻ ﻗﺘﻠﺘﻪ. ﻗﺎﻝ: ﻣﺎ ﺃﺣﺴﻦ ﻣﺎ ﻗﻠﺖ، ﻣﺎ ﻛﺎﻓﺮ ﺑﻨﻌﻤﺔ ﻣﻦ ﻛﻔﺮ ﺑﺂﻳﺔ ﻓﻘﺪ ﻛﻔﺮ، ﻗﻠﺖ: ﺃﻟﻴﺲ ﺑﻤﻨﺰﻟﺔ اﻟﻤﺮﺗﺪ ﺇﻥ ﺗﺎﺏ ﻭﺇﻻ ﻗﺘﻞ؟ ﻗﺎﻝ: ﻧﻌﻢ)

302 - (ﻗﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﻃﺎﻟﺐ: ﻭﻗﻠﺖ ﻷﺑﻲ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ: ﺳﺄﻟﻨﻲ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻋﻦ اﻟﺠﻬﻤﻲ ﻳﻘﻮﻝ: اﻟﻘﺮﺁﻥ ﻣﺨﻠﻮﻕ، ﻓﻬﻮ ﻛﺎﻓﺮ؟ ﻗﻠﺖ ﻗﻮﻡ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ: ﺣﻼﻝ اﻟﺪﻡ ﻭاﻟﻤﺎﻝ، ﻟﻮ ﻟﻘﻴﺘﻪ ﻓﻲ ﺧﻼء ﻟﻘﺘﻠﺘﻪ؟ ﻗﺎﻝ: ﻣﻦ ﻫﺆﻻء؟ ﻫﺬا اﻟﻤﺮﺗﺪ ﻳﺴﺘﺘﺎﺏ ﺛﻼﺛﺔ ﺃﻳﺎﻡ، ﻗﻮﻝ ﻋﻤﺮ ﻭﺃﺑﻲ ﻣﻮﺳﻰ، ﻭﻫﺬا ﺑﻤﻨﺰﻟﺔ اﻟﻤﺮﺗﺪ ﻳﺴﺘﺘﺎﺏ)

ومن العجيب أن أحدا بعث لي بكلام لأحدهم يزعم فيه أننا أصحاب قياس وأننا قِسنا حالنا بحال السلف وهذا قياس فاسد، وهذا والله كما قيل "رمتني بدائها وانسلت"

فكل ما قمنا به أننا نظرنا في أقوال السلف فوجدناها موافقة للحق والصواب فنزلناها على هؤلاء، وهذا المفتري هو والله أحق الناس بهذا الوصف، فقد قاس الرافضة والجهمية وغيرهم باليهود والنصارى وكفار قريش، فمن الذي قاس قياسا فاسدا ؟

ووجه فساد هذا القياس أن اسم الردة وباب الاسماء والاحكام وما يترتب عليه من أحكام من مسائل الشرائع حتى يُحتجّ علينا بقوم نوح وقريش وغيرهم ممن لم ينتسبوا لشريعة النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن وقفنا عند الأثر ولم نجاوزه ولم نتكلف ولم نتنطع، فلم نقل أن الردة تورث في شريعة نوح أو موسى أو غيرهما من الأنبياء عليهم السلام، بل قلنا ما استقر عليه سلف الأمة هو تسمية هذه الطوائف بالمرتدة، فلا تلزمونا بجهلكم وأن هذا يلزم منه أن الناس من عصر نوح كفار أصليون.

قال الله تعالى : (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)
وقال: (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا)

وأما ما يستدل به بعضهم أن الردة هي الرجوع عن الإسلام والكفر بعد الإيمان، فهذا نوع منها وحصرها في هذا قصور، وكذلك قول الله تعالى : {يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأت الله ..}

فالآية يخاطب فيها الله تعالى عباده المؤمنين ويخبرهم أن من رجع عن الإسلام وكفر فسوف يستبدله الله، ووالله من فهم من هذه الآية حصر معنى الردة في الرجوع عن الإسلام للكفر فهو إلى أن يعالج عقله أحوج منه إلى إقامة الدليل عليه، فالآية فيها خطاب للمؤمنين وتحذير لهم من الكفر بعد أن آمنوا.

ثم هؤلاء المبتدعة الذين حكموا بالكفر الأصلي على طوائف الردة بالعموم البدعي دون تفريق بين النوع والعين ودون تفريق بين كفر الطائفة وكفر الأعيان تناقضوا، فلم ينزلوا عليهم أحكام الكفار الأصليين بحذافيرها، بل خلطوا بين أحكام الكفار الأصليين وأحكام المرتدين، وذلك من عدة أوجه أبرزها:

▪ أنهم لا يقبلون منهم الشهادة ليكفوا عن قتلهم، فتناقضوا، قالوا: نعاملهم كما عامل النبي صلى الله عليه وسلم كفار قريش، فهل كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل من كفار قريش الشهادة أم لا؟، وهل كان يكفُّ عنهم أثناء القتال إذا تلفظوا بها أم لا ؟
قد يقول قائل منهم: لكن كفار قريش علموا معنى الشهادة وهؤلاء جهلوا معناها، فنقول: حتى لو علموا هؤلاء معنى الشهادة وأرادوا الدخول في الإسلام فالقدر المجزئ في ذلك هو الشهادة والتبرأ من الكفر الذي كانوا عليه ومن أقوامهم، بعكس الكافر الأصلي.

جاء في مسائل الإمام أحمد وإسحاق التي رواها الكوسج: [3477] ﺳﺄﻟﺖ ﺃﺣﻤﺪ ﻋﻦ اﻟﺮﺟﻞ ﻳﻌﺮﺽ ﻋﻠﻴﻪ اﻹﺳﻼﻡ ﻋﻨﺪ اﻟﻤﻮﺕ ﻳﻘﺮ ﻭﻳﺸﻬﺪ ﺃﻥ ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ اﻟﻠﻪ ﻭﺃﻥ ﻣﺤﻤﺪا ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ، ﺃﻳﺮﺛﻪ ﻭاﺭﺛﺔ اﻹﺳﻼﻡ؟

ﻗﺎﻝ: (ﻧﻌﻢ، ﻭﻣﻦ ﻳﻘﻮﻝ ﻏﻴﺮ ﻫﺬا؟!. ﻫﺆﻻء ﻓﻲ ﻣﺬﻫﺒﻬﻢ ﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺇﻻ ﻫﻜﺬا، ﻭﻟﻜﻦ اﻟﻌﺠﺐ. ﺃﻱ ﻻ ﻳﻮاﻓﻘﻮﻥ.) يقصد أهل الرأي.

وهذا مذهب أهل الحديث رحمهم الله، أن الكافر الأصلي يحصل دخوله للإسلام بالشهادة، والإتيان بلفظ البراءة مستحب وليس شرطا، وقد أنكر الإمام أحمد على أبي حنيفة واشتد نكيره عليه لما زعم أن اليهودي أو النصراني لا بد أن يقرن البراءة من الكفر بالشهادة ليتم إسلامه، ومن أراد أن يقرأ أقوال أبي عبدالله في الباب فليراجع أحكام أهل الملل للخلال، ولم أنقلها هنا لئلا أطيل.

أما القول بأن اليهود يتلفظون بالشهادة والقياس على ذلك فخطأ، لأنهم يقولونها مِن باب الإخبار وليس أنهم يشهدون شهادة تقتضي العمل.

قال الخلال في أحكام أهل الملل والردة: 835 - ﺃﺧﺒﺮﻧﺎ اﻟﻌﺒﺎﺱ ﺑﻦ ﺃﺣﻤﺪ اﻟﻤﺴﺘﻠﻤﻲ اﻟﻨﺠﺎﺭ ﺑﻄﺮﻃﻮﺱ، ﺃﻧﻬﻢ ﺳﺄﻟﻮا ﺃﺑﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﻋﻦ ﺭﺟﻞ ﻧﺼﺮاﻧﻲ، ﺃﻭ ﻳﻬﻮﺩﻱ ﻗﺎﻝ: ﺃﺷﻬﺪ ﺃﻥ ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ اﻟﻠﻪ، ﻭﺃﻥ ﻣﺤﻤﺪا ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ، ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ؟ ﻗﺎﻝ: (ﻓﻘﺪ ﺃﺳﻠﻢ.)
ﻓﻘﻠﻨﺎ ﻟﻪ: ﻗﺎﻝ ﺫاﻙ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﺭﺟﻞ ﺑﻄﺮﻃﻮﺱ.
ﻓﻘﺎﻝ ﻓﻴﻪ اﺑﻦ ﺷﻴﺒﻮﻳﻪ: ﺭﺃﻳﺘﻪ ﻗﺪ ﺃﺳﻠﻢ، ﻭﻗﺎﻝ ﻏﻴﺮﻩ: ﻻ.
ﺣﺘﻰ ﻳﻘﻮﻝ: ﺑﺮﺋﺖ ﻣﻦ اﻟﻨﺼﺮاﻧﻴﺔ، ﻭﺗﺮﻛﺖ ﺩﻳﻨﻲ.

ﻓﻘﺎﻝ: (ﺳﺒﺤﺎﻥ اﻟﻠﻪ! ﻟﻘﺪ ﻗﺎﻝ اﻟﻨﺒﻲ، ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﻟﺮﺟﻞ: ﻗﻞ: ﺃﺷﻬﺪ ﺃﻥ ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ اﻟﻠﻪ، ﻭﺃﻧﻲ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ، ﻓﺄﺳﻠﻢ ﺑﺬاﻙ.)

ﺛﻢ ﻗﺎﻝ: (ﻛﻞ ﻣﻦ ﻧﻈﺮ ﻓﻲ ﺭﺃﻱ ﺃﺑﻲ ﺣﻨﻴﻔﺔ ﺇﻻ ﻛﺎﻥ ﺩﻏﻞ اﻟﻘﻠﺐ ﻳﺬﻫﺐ ﺇﻟﻴﻪ.)

836 - ﺃﺧﺒﺮﻧﻲ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ، ﻗﺎﻝ: ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺑﻜﺮ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ، ﻋﻦ ﺃﺑﻴﻪ، ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ: ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺃﺑﻲ ﺣﻨﻴﻔﺔ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ: ﻭﻫﻮ ﺑﺮﻱء ﻣﻦ ﺩﻳﻨﻪ، ﻭﺇﻻ ﻓﻼ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺴﻠﻤﺎ.

ﻗﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ: (ﺇﺫا ﻗﺎﻝ: ﺃﺷﻬﺪ ﺃﻥ ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ اﻟﻠﻪ، ﻭﺃﻥ ﻣﺤﻤﺪا ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ، ﺇﺫا ﺟﺎء ﻳﺮﻳﺪ اﻹﺳﻼﻡ ﻓﻬﻮ ﻣﺴﻠﻢ، ﻭﺃﻣﺎ ﺇﺫا ﻗﺎﻝ: ﺃﺷﻬﺪ ﺃﻥ ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ اﻟﻠﻪ، ﻭﺃﻥ ﻣﺤﻤﺪا ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ، ﻭﻫﻮ ﻻ ﻳﺮﻳﺪ اﻹﺳﻼﻡ ﻟﻢ ﺃﺟﺒﺮﻩ.)

837 - ﺃﺧﺒﺮﻧﻲ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺎﺭﻭﻥ، ﻗﺎﻝ: ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺎﺷﻢ، ﻗﺎﻝ: ﺩﻓﻊ ﺇﻟﻲ ﻓﻮﺯاﻥ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﻦ ﻣﺴﺎﺋﻞ ﺃﺑﻲ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ، ﻗﺎﻝ: ﺳﺄﻟﺘﻪ، ﻗﺎﻝ: ﻗﻠﺖ: اﻟﻴﻬﻮﺩ ﻳﻘﻮﻝ ﺑﻌﻀﻬﻢ: ﺃﺷﻬﺪ ﺃﻥ ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ اﻟﻠﻪ، ﻭﺃﺷﻬﺪ ﺃﻥ ﻣﺤﻤﺪا ﻋﺒﺪﻩ ﻭﺭﺳﻮﻟﻪ.
ﻓﻘﺎﻝ: ﺇﺫا ﻟﻢ ﻳﺮﺩ اﻹﺳﻼﻡ.

ﺃﻣﺎ ﺇﺫا ﺟﺎء ﻟﻴﺴﻠﻢ، ﻓﺸﻬﺪ ﺃﻥ ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ اﻟﻠﻪ، ﻭﺃﻥ ﻣﺤﻤﺪا ﻋﺒﺪﻩ ﻭﺭﺳﻮﻟﻪ، ﻭﺻﻠﻰ، ﻓﺄﻱ ﺇﺳﻼﻡ ﺃﺗﻢ ﻣﻦ ﻫﺬا؟ ﺃﻟﻴﺲ ﻳﺮﻭﻯ ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ، ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﺃﻧﻪ ﻗﺎﻝ: "ﺃﻣﺮﺕ ﺃﻥ ﺃﻗﺎﺗﻞ اﻟﻨﺎﺱ ﺣﺘﻰ ﻳﻘﻮﻟﻮا: ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ اﻟﻠﻪ، ﻓﺈﺫا ﻗﺎﻟﻮﻫﺎ ﻣﻨﻌﻮا ﻣﻨﻲ ﺩﻣﺎءﻫﻢ ﻭﺃﻣﻮاﻟﻬﻢ"؟

فانظر قوله إذا أراد الإسلام، أي إذا تلفظ بها شهادةً وليس إخباراً.

تنبيه: قد تجد أن بعض أهل العلم (كإسحاق بن راهويه) يذكر البراءة من الكفر في اليهودي والنصراني، نقول: هذا مستحب وليس بشرط في صحة الإسلام، وما قاله ابن المنذر أن في المسألة خلاف، فإن ابن المنذر يحكي الخلاف إذا كان واقعا ولو لم يكن معتبرا، فالخلاف هنا واقع وليس معتبرا، وهو خلاف بين أهل الحديث وأهل الرأي، وأرجع وأقول: الكافر الأصلي تلفظه بالبراءة مع الشهادة هذا مستحب وليس شرطا، وقد مر معنا قول الإمام أحمد - رحمه الله -.

وليس لهؤلاء القوم سلف إلا أهل الرأي (في اشتراط البراءة للكافر الأصلي)، وبعضهم لا يجد ما ينقل في هذا الباب عن السلف، فتجده ينقل عن أئمة الأشاعرة كالنووي والقاضي عياض والخطابي وابن حجر وغيرهم من الأشاعرة، أو الكاساني من الحنفية، ولم يدر المسكين أن هذه المسألة مما اختلف فيها أهل الحق من أهل الحديث مع أهل الرأي، وبعضهم تجده يتبجح باتباع الآثار والسنن، فإذا جاء لهذه المسألة لم يجد قولا واحدا عن السلف ينصر مذهبه، فيطفق ينقل أقوال المتأخرين كأبن بطين وحمد بن عتيق والصنعاني.

وهنا يجب أن أبين أمرا، إن اليهودي والنصراني يحصل دخوله للإسلام بالشهادة بأحد أمرين:

1- أن يقرأ كتاب الله عز وجل والآيات التي فيها كفر أهل الكتاب، وفيها بيان دين الحق دين الإسلام، ولا يحرف له أحد تفسير هذه الآيات، فإذا قرأ القرآن فنطق بالشهادة يريد الدخول للإسلام فنحكم بإسلامه.

قال الله تعالى : (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ۚ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ۚ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَىٰ ۚ قُلْ لَا أَشْهَدُ ۚ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) [سورة اﻷنعام 19]

قال ابن أبي حاتم في تفسيره 7165 - ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺃﺑﻮ ﺳﻌﻴﺪ اﻷﺷﺞ، ﺛﻨﺎ ﻭﻛﻴﻊ ﻭﺃﺑﻮ ﺃﺳﺎﻣﺔ ﻭﺃﺑﻮ ﺧﺎﻟﺪ، ﻋﻦ ﻣﻮﺳﻰ ﺑﻦ ﻋﺒﻴﺪﺓ، ﻋﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻛﻌﺐ ﻗﻮﻟﻪ: ﻭﻣﻦ ﺑﻠﻎ ﻗﺎﻝ: (ﻣﻦ ﺑﻠﻐﻪ اﻟﻘﺮﺁﻥ ﻓﻜﺄﻧﻤﺎ ﺭﺃﻯ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﺛﻢ ﻗﺮﺃ: ﻭﻣﻦ ﺑﻠﻎ ﺃﺇﻧﻜﻢ ﻟﺘﺸﻬﺪﻭﻥ.) ﻭﻓﻲ ﺣﺪﻳﺚ ﺃﺑﻲ ﺧﺎﻟﺪ ﺯﻳﺎﺩﺓ: ﻓﻜﺄﻧﻤﺎ ﺭﺃﻯ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﻛﻠﻤﻪ.

فالذي قرأ القرآن واستجاب فهو من المسلمين، والقرآن أعظم داعية.

وبعض الزنادقة قد يجعل قوله حجة أبلغ من القرآن والسنة، فتجده يحكم بالإسلام للكتابي إذا كان هو الداعية، بينما لا يحكم بالإسلام لكن كان داعيته القرآن فقرأه واستجاب لنداء الله.

2- أن يكون هذا الكتابي قد عرض عليه الإسلام موحد وشرحه له، كما كان حال الملوك وغيرهم لما كان يشرح لهم الإسلام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فهذا أيضا يحصل دخوله للإسلام بالنطق بالشهادة مع العمل بمقتضاها.

▪ وكذلك من تناقضاتهم (أغلبهم) أنهم يكفرون من يقر أخذ الجزية ممن يحكمون هم عليهم بأنهم كفار اصليون من طوائف الردة، وفي المسألة خلاف بين السلف (أعني أخذ الجزية من أصناف الكفار الأصليين)، وإن كان الراجح أن الجزية لا تؤخذ إلا من اليهود والنصارى والمجوس فقد ﺫﻫﺐ ﻣﺎﻟﻚ ﻭاﻷﻭﺯاﻋﻲ ﺇﻟﻰ ﺃﻧﻪ ﺗﺆﺧﺬ ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻜﻔﺎﺭ، وهذا من اظهر الامور على ضلالاهم فهم يأصلون التكفير على أهل الشهادتين بالعموم ثم يكفرون من يقر أخذ الجزية طردا لأصله من اصحابهم في الغلو في التكفير.

والخلاف ليس صوريا أو في الذهن فقط كما قد يتوهم بعضهم، فمنهم من بدعنا ومنهم من كفرنا من أجل هذا، وهذا والله تبديع وتكفير بمحض السنة والاتباع، فليحذر من يكفر بهذا فإنه للكفر منه أقرب للإيمان.

ولبيان أن الخلاف حقيقي، وأن المخالف قد وقع في اضطراب فخلط بين أحكام الكفار الأصليين والمرتدين، نذكر ما ذكره صاحب الأحكام السلطانية (ص 97-98)، قال: ﻭلدار اﻟﺮﺩﺓ ﺣﻜﻢ ﺗﻔﺎﺭﻕ ﺑﻪ ﺩاﺭ اﻹﺳﻼﻡ ﻭﺩاﺭ اﻟﺤﺮﺏ (أي دار الكفر الأصلي)

ﻓﺄﻣﺎ ﻣﺎ ﺗﻔﺎﺭﻕ ﺑﻪ ﺩاﺭ اﻹﺳﻼﻡ ﻓﻤﻦ ﺃﺭﺑﻌﺔ ﺃﻭﺟﻪ:

ﺃﺣﺪﻫﺎ: ﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﺠﻮﺯ ﺃﻥ ﻳﻬﺎﺩﻧﻮا ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻮاﺩﻋﺔ ﻓﻲ ﺩﻳﺎﺭﻫﻢ، ﻭﻳﺠﻮﺯ ﺃﻥ ﻳﻬﺎﺩﻥ ﺃﻫﻞ اﻟﺤﺮﺏ.
ﻭاﻟﺜﺎﻧﻲ: ﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﺠﻮﺯ ﺃﻥ ﻳﺼﺎﻟﺤﻮا ﻋﻠﻰ ﻣﺎﻝ ﻳﻘﺮﻭﻥ ﺑﻪ ﻋﻠﻰ ﺭﺩﺗﻬﻢ، ﻭﻳﺠﻮﺯ ﺃﻥ ﻳﺼﺎﻟﺢ ﺃﻫﻞ اﻟﺤﺮﺏ.
ﻭاﻟﺜﺎﻟﺚ: ﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﺠﻮﺯ اﺳﺘﺮﻗﺎﻗﻬﻢ ﻭﻻ ﺳﺒﻲ ﻧﺴﺎﺋﻬﻢ، ﻭﻳﺠﻮﺯ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﺮﻕ ﺃﻫﻞ اﻟﺤﺮﺏ ﻭﺗﺴﺒﻰ ﻧﺴﺎﺅﻫﻢ.
ﻭاﻟﺮاﺑﻊ: ﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﻤﻠﻚ اﻟﻐﺎﻧﻤﻮﻥ ﺃﻣﻮاﻟﻬﻢ، ﻭﻳﻤﻠﻜﻮﻥ ﻣﺎ ﻏﻨﻤﻮﻩ ﻣﻦ ﻣﺎﻝ ﺃﻫﻞ اﻟﺤﺮﺏ.

ﻭﺃﻣﺎ ﻣﺎ ﺗﻔﺎﺭﻕ ﺑﻪ ﺩاﺭ اﻹﺳﻼﻡ ﻓﻤﻦ ﺃﺭﺑﻌﺔ ﺃﻭﺟﻪ:

ﺃﺣﺪﻫﺎ: ﻭﺟﻮﺏ ﻗﺘﺎﻟﻬﻢ ﻣﻘﺒﻠﻴﻦ ﻭﻣﺪﺑﺮﻳﻦ ﻛﺎﻟﻤﺸﺮﻛﻴﻦ.
ﻭاﻟﺜﺎﻧﻲ: ﺇﺑﺎﺣﺔ ﺇﻣﺎﺋﻬﻢ ﺃﺳﺮﻯ ﻭﻣﻤﺘﻨﻌﻴﻦ.
ﻭاﻟﺜﺎﻟﺚ: ﺗﺼﻴﺮ ﺃﻣﻮاﻟﻬﻢ ﻓﻴﺌﺎ ﻟﻜﺎﻓﺔ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ.
ﻭاﻟﺮاﺑﻊ: ﺑﻄﻼﻥ ﻣﻨﺎﻛﺤﺘﻬﻢ ﺑﻤﻀﻲ اﻟﻌﺪﺓ ﻭﺇﻥ اﺗﻔﻘﻮا ﻋﻠﻰ اﻟﺮﺩﺓ.

وهذا التقسيم موافق لأصول الشرع وما دل عليه الكتاب والسنة وتعامل الصحابة رضي الله عنهم مع المرتدين.

والمخالف في هذا قد تناقض ولا ريب، إذ أن اسم الكافر الأصلي يتبعه أحكام تختلف عن الأحكام التي تتبع اسم المرتد، ولا يصح تنزيل حكم واحد من أحكام المرتد على الكافر الأصلي.

أما من يقول: بأن من قامت عليه الحجة من اعيان هؤلاء الطوائف فعليه أن يعتقد أنهم زناة وأن أبناءهم أبناء زنا، فهذا قول جاهل لا يفرق بين الزنا ونكاح الشبهة، فمن قال ذلك فهو في غاية الجهل والضلالة والمشاقة لله ورسوله فإن المسلمين متفقون على أن كل نكاح اعتقد الزوج أنه نكاح سائغ إذا وطئ فيه فإنه يلحقه فيه ولده ويتوارثان باتفاق المسلمين وإن كان ذلك النكاح باطلا في نفس الأمر باتفاق المسلمين سواء كان الناكح كافرا أو مسلما. واليهودي إذا تزوج بنت أخيه كان ولده منها يلحقه نسبه ويرثه باتفاق المسلمين وإن كان ذلك النكاح باطلا باتفاق المسلمين ومن استحله كان كافرا تجب استتابته. وكذلك المسلم الجاهل لو تزوج امرأة في عدتها كما يفعل جهال الأعراب ووطئها يعتقدها زوجة كان ولده منها يلحقه نسبه ويرثه باتفاق المسلمين.

ومثل هذا كثير. فإن "ثبوت النسب" لا يفتقر إلى صحة النكاح في نفس الأمر؛ بل الولد للفراش كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الولد للفراش وللعاهر الحجر" فمن طلق امرأته ثلاثا ووطئها يعتقد أنه لم يقع به الطلاق: إما لجهله. وإما لفتوى مفت مخطئ قلده الزوج. وإما لغير ذلك فإنه يلحقه النسب ويتوارثان بالاتفاق؛ بل ولا تحسب العدة إلا من حين ترك وطأها؛ فإنه كان يطؤها يعتقد أنها زوجته فهي فراش له فلا تعتد منه حتى تترك الفراش. ومن نكح امرأة " نكاحا فاسدا " متفقا على فساده أو مختلفا في فساده أو ملكها ملكا فاسدا متفقا على فساده أو مختلفا في فساده أو وطئها يعتقدها زوجته الحرة أو أمته المملوكة: فإن ولده منها يلحقه نسبه ويتوارثان باتفاق المسلمين. والولد أيضا يكون حرا؛ وإن كانت الموطوءة مملوكة للغير في نفس الأمر ووطئت بدون إذن سيدها؛ لكن لما كان الواطئ مغرورا بها زوج بها وقيل: هي حرة أو بيعت فاشتراها يعتقدها ملكا للبائع؛ فإنما وطئ من يعتقدها زوجته الحرة أو أمته المملوكة: فولده منها حر؛ لاعتقاده. وإن كان اعتقاده مخطئا وبهذا قضى الخلفاء الراشدون واتفق عليه أئمة المسلمين. فهؤلاء الذين وطئوا وجاءهم أولاد لو كانوا قد وطئوا في نكاح فاسد متفق على فساده وكان الطلاق وقع بهم باتفاق المسلمين وهم وطئوا يعتقدون أن النكاح باق؛ لإفتاء من أفتاهم أو لغير ذلك: كان نسب الأولاد بهم لاحقا ولم يكونوا أولاد زنا؛ بل يتوارثون باتفاق المسلمين. هذا في المجمع على فساده فكيف في المختلف في فساده؟ وإن كان القول الذي وطئ به قولا ضعيفا: كمن وطئ في نكاح المتعة أو نكاح المرأة نفسها بلا ولي ولا شهود؛ فإن هذا إذا وطئ فيه يعتقده نكاحا لحقه فيه النسب فكيف بنكاح مختلف فيه وقد ظهرت حجة القول بصحته بالكتاب والسنة والقياس وظهر ضعف القول الذي يناقضه وعجز أهله عن نصرته بعد البحث التام؛ لانتفاء الحجة الشرعية؟ فمن قال إن هذا النكاح أو مثله يكون فيه الولد ولد زنا [لا] يتوارثان هو وأبوه الوطء مخالف لإجماع المسلمين. منسلخ من رتبة الدين فإن كان جاهلا عرف وبين له أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاءه الراشدين وسائر أئمة الدين ألحقوا أولاد أهل الجاهلية بآبائهم وإن كانت محرمة بالإجماع؛ ولم يشترطوا في لحوق النسب أن يكون النكاح جائزا في شرع المسلمين. فإن أصر على مشاقة الرسول من بعد ما تبين له الهدى واتبع غير سبيل المؤمنين؛ فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل. فقد ظهر أن من أنكر الفتيا بأنه لا يقع الطلاق وادعى الإجماع على وقوعه وقال إن الولد ولد زنا: هو المخالف لإجماع المسلمين مخالف لكتاب الله وسنة رسول الله رب العالمين وإن المفتي بذلك أو القاضي بذلك فعل ما لا يسوغ له بإجماع المسلمين. وليس لأحد المنع من الفتيا بقوله ولا القضاء بذلك ولا الحكم بالمنع من ذلك باتفاق المسلمين والأحكام باطلة بإجماع المسلمين.

فهذا معتقدنا وهذه أدلته، وليتق الله أناس يقضي أحدهم يومه منبطحا نائما على بطنه، ثم يفيق فيرد أقوال السلف أو يتأولها على غير وجهها، أو يزعم أنه عرف من الحق فيها ما خفي على كثير من الناس، فاتق الله يا عبد الله، واعلم أن التبديع شديد [كما قال أحمد بن حنبل]. والتكفير أشد منه، فلا ينبغي لرجل أن يتقدم بين السلف، ويزعم أنه علم ما جهلوه.

وكذلك ليحذر أناس أرادوا أن يلبسوا التوحيد لَبوس العلمانية، ووالله قد فعلوها، فطفقوا يردون أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وآثار السلف، بحجة أنها لا تصلح لهذا الزمان، والله المستعان.

اللهم اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك، فإنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم، والله تعالى أعلم، والحمد لله رب العالمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق