السبت، 9 مارس 2019

بدعة التسوية في باب الأسماء والأحكام بين الكفار الأصليين ومن ينطق بالشهادتين


بسم الله الرحمن الرحيم

فهذا مقال رداً على بدعة شرعها افراخ الخوارج والمعتزلة الجدّد وهي التسوية في باب الأسماء والأحكام بين الكفار الأصليين وبين من ينطق بالشهادتين،
وادخل في المقصود بإذن الله:

قال صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله) صحيح البخاري

وقال صلى الله عليه وسلم: (من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله، فلا تخفروا الله في ذمته) صحيح البخاري

الشهادتين والصلاة وباقي اركان الإسلام والإيمان (توحـيد وايمان)

والتوحيد والإيمان يجتمع مع الشرك والكفر اذا وجد مانع من الموانع الشرعية كالإكراه والجهل والتأويل والخطأ

قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن القبوريين في زمانه:
(بل كل من كان من المتنسكة والمتفقهة والمتعبدة والمتفقرة والمتزهدة والمتكلمة والمتفلسفة ومن وافقهم من الملوك والأغنياء؛ والكتاب؛ والحساب؛ والأطباء؛ وأهل الديوان والعامة: خارجا عن الهدى ودين الحق الذي بعث الله به رسوله لا يقر بجميع ما أخبر الله به على لسان رسوله؛ ولا يحرم ما حرمه الله ورسوله؛ أو يدين بدين يخالف الدين الذي بعث الله به رسوله باطنا وظاهرا: مثل من يعتقد أن شيخه يرزقه؛ أو ينصره أو يهديه؛ أو يغيثه؛ أو يعينه؛ أو كان يعبد شيخه أو يدعوه ويسجد له؛ أو كان يفضله على النبي صلى الله عليه وسلم تفضيلا مطلقا؛ أو مقيدا في شيء من الفضل الذي يقرب إلى الله تعالى؛ أو كان يرى أنه هو أو شيخه مستغن عن متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم فكل هؤلاء كفار إن أظهروا ذلك؛ ومنافقون إن لم يظهروه.
وهؤلاء الأجناس وإن كانوا قد كثروا في هذا الزمان فلقلة دعاة العلم والإيمان وفتور آثار الرسالة في أكثر البلدان وأكثر هؤلاء ليس عندهم من آثار الرسالة وميراث النبوة ما يعرفون به الهدى وكثير منهم لم يبلغهم ذلك. وفي أوقات الفترات وأمكنة الفترات: يثاب الرجل على ما معه من الإيمان القليل ويغفر الله فيه لمن لم تقم الحجة عليه ما لا يغفر به لمن قامت الحجة عليه كما في الحديث المعروف: {يأتي على الناس زمان لا يعرفون فيه صلاة ولا صياما ولا حجا ولا عمرة إلا الشيخ الكبير؛ والعجوز الكبيرة. ويقولون: أدركنا آباءنا وهم يقولون لا إله إلا الله فقيل لحذيفة بن اليمان: ما تغني عنهم لا إله إلا الله؟ فقال: تنجيهم من النار}. وأصل ذلك أن المقالة التي هي كفر بالكتاب والسنة والإجماع يقال هي كفر قولا يطلق كما دل على ذلك الدلائل الشرعية؛ فإن "الإيمان" من الأحكام المتلقاة عن الله ورسوله؛ ليس ذلك مما يحكم فيه الناس بظنونهم وأهوائهم. ولا يجب أن يحكم في كل شخص قال ذلك بأنه كافر حتى يثبت في حقه شروط التكفير وتنتفي موانعه مثل من قال: إن الخمر أو الربا حلال؛ لقرب عهده بالإسلام؛ أو لنشوئه في بادية بعيدة أو سمع كلاما أنكره ولم يعتقد أنه من القرآن ولا أنه من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان بعض السلف ينكر أشياء حتى يثبت عنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قالها وكما كان الصحابة يشكون في أشياء مثل رؤية الله وغير ذلك حتى يسألوا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ومثل الذي قال: إذا أنا مت فاسحقوني وذروني في اليم؛ لعلي أضل عن الله ونحو ذلك؛ فإن هؤلاء لا يكفرون حتى تقوم عليهم الحجة بالرسالة كما قال الله تعالى: {لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} وقد عفا الله لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان وقد أشبعنا الكلام في القواعد التي في هذا الجواب في أماكنها والفتوى لا تحتمل البسط أكثر من هذا. والله أعلم.) مجموع الفتاوى 35 / 164 - 166

تأمل في النص السابق اثبت الإيمان والإسلام لعباد القبور الجهال

وقال: (وإذا عرف هذا فتكفير المعين من هؤلاء الجهال وأمثالهم بحيث يحكم عليه بأنه من الكفار لا يجوز الإقدام عليه إلا بعد أن تقوم على أحدهم الحجة الرسالية التي يتبين بها أنهم مخالفون للرسل وإن كانت هذه المقالة لا ريب أنها كفر. وهكذا الكلام في تكفير جميع المعينين مع أن بعض هذه البدعة أشد من بعض وبعض المبتدعة يكون فيه من الإيمان ما ليس في بعض فليس لأحد أن يكفر أحدا من المسلمين وإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة وتبين له المحجة. ومن ثبت إيمانه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك؛ بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة.) مجموع الفتاوى (12/ 500)

وقال دفاعا عن القبوري أبوحامد الغزالي الذي مات ولم يتبرأ من كتبه الشركية واعتباره من علماء المسلمين.
تقريرا لإجماع السلف المقدمين والمتأخرين على العذر بالجهل والتأويل في الشرك الأكبر وللتفريق بين النوع والعين:

(وهذا القائل إنما ذكر لدفع التكفير عن مثل الغزالي وأمثاله من علماء المسلمين، ومن المعلوم أن المنع من تكفير علماء المسلمين الذين تكلموا في هذا الباب؛ بل دفع التكفير عن علماء المسلمين وإن أخطئوا هو من أحق الأغراض الشرعية؛ حتى لو فرض أن دفع التكفير عن القائل يعتقد أنه ليس بكافر حماية له، ونصرا لأخيه المسلم: لكان هذا غرضا شرعيا حسنا، وهو إذا اجتهد في ذلك فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فيه فأخطأ فله أجر واحد.) مجموع الفتاوى 35/103

وقال: (وأما غير هؤلاء فمنهم من يصلي إلى القبر، ومنهم من يسجد له، ومنهم من يسجد من باب المكان المبني على القبر، ومنهم من يستغني بالسجود لصاحب القبر عن الصلوات الخمس، فيسجدون لهذا الميت ولا يسجدون للخالق، وقد يكون ذلك الميت ممن يظن به الخير، وليس كذلك، كما يوجد مثل هذا في مصر، والشام، والعراق، وغير ذلك.
ومنهم من يطلب من الميت ما يطلب من الله، فيقول: اغفر لي، وارزقني، وانصرني، ونحو ذلك كما يقول المصلي في صلاته لله تعالى، إلى أمثال هذه الأمور التي لا يشك من عرف دين الإسلام أنها مخالفة لدين المرسلين أجمعين، فإنها من الشرك الذي حرمه الله ورسوله، بل من الشرك الذي قاتل عليه الرسول صلى الله عليه وسلم المشركين، وأن أصحابها إن كانوا يعذرون بالجهل، وأن الحجة لم تقم عليهم، كما يعذر من لم يبعث إليه رسول، كما قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15] وإلا كانوا مستحقين من عقوبة الدنيا والآخرة ما يستحقه أمثالهم من المشركين، قال تعالى: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 22] وفي الحديث: «إِنَّ الشِّرْكَ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ».) كتاب قاعدة عظيمة في الفرق بين عبادات أهل الإسلام والإيمان وعبادات أهل الشرك والنفاق (ص: 70)

وقال في بيان أن ثبوت اسم الردة والكفر على من (ينطق بالشهادتين) كثبوت الوعيد في الاخرة بحقه:

(لا يلزم إذا كان القول كفراً، أن يكفر كل من قاله مع الجهل والتأويل؛ فإن ثبوت الكفر في حق الشخص المعين، كثبوت الوعيد في الآخرة في حقه، وذلك له شروط وموانع، كما بسطناه في موضعه). اهـ منهاج السنة 5/240

قال تعالى : {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} (البقرة 217).

قال تعالى : {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا} (النساء 115).

فليس هناك مرتد يمتحن يوم القيامة بنص الآية وكلام أهل العلم.

ثانياً: ليس هناك مرتد يأمّن ويجار وله عهد كما يأمّن و يجار ويعطى العهد الكافر الاصلي. والزعم أن المرتد يأمن ويجار وله عهد تكذيب لنص القرآن والسنة والإجماع.

قال عليه الصلاة والسلام : (من بدل دينه فقتلوه)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (التكفير حكم شرعي يرجع إلى إباحة المال وسفك الدماء والحكم بالخلود في النار فمأخذه كمأخذ سائر الأحكام الشرعية فتارة يدرك بيقين وتارة يدرك بظن غالب وتارة يتردد فيه ومهما حصل تردد فالتوقف عن التكفير أولى والمبادرة إلى التكفير إنما تغلب على طباع من يغلب عليهم الجهل) بغية المرتاد ص 345 ط مكتبة العلوم والحكم

وهذا يقمع المفترين والدجالين.

🔸 فمن نطق بالشهادتين له اسمين :
اما [ مسلم مؤمن ] حكماً
او [ مرتد كافر مشرك ] خالد مخلد في النار.

قال شيخ الاسلام : (فغالب الناس إسلامهم حكمي ... إنما يعملون الأعمال عادة ومتابعة كما هو الواقع في كثير من الناس) مجموع الفتاوى ج 26/ ص 32

فمن دخل في الاسلام الحكمي بنطقه بالشهادتين فلا يخرج عنه ويسمى مرتدا الا بعد اقامة الحجة وتحقق الشروط وانتفاء الموانع.

فباب الأسماء والأحكام من الشرائع التي تثبت بالكتاب والسنة والاجماع.

ولمن ينطق بالشهادتين أسماء وأحكام تختلف عن أسماء وأحكام الكافر الاصلي.

▪️ ومن ذلك ان الله فرق بين الكفار الاصليين فمنهم من يجوز لنا اكل ذبائحهم والزواج منهم كأهل الكتاب اما غيرهم من المجوس وعباد الاوثان فلا يجوز لنا فعل ذلك معهم.

▪️ ومن ذلك أن الكفار الاصليين يجوز ان يقرون على دينهم مقابل الجزية اما الواقعون في ردة فلا يجوز ذلك.

▪️ وهذا يهدم بدعة وفرية المفترين على الله الذين يلعبون بدينه.

🔸 فتنزيل الأسماء والأحكام التي في الكفار الاصليين الذين لا ينطقون بكلمة التوحيد ولا يشهدون للرسول بالرسالة على من ينطق بالشهادتين دجل وتحريف وكذب على الله وتشريع لما لم يأذن.

الجمعة، 1 مارس 2019

التبديع مطابق للتكفير وكلاهما من الوعيد

التبديع مطابق للتكفير وكلاهما من الوعيد

والمبادرة الى تعيين الوعيد من تبديع او تكفير من صفات أهل الضلال والزيغ



مقدمة


هذا مقال ردا على فئام من الناس ممن يطلقون التبديع على المسلمين بأهوائهم وبلا قيود.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
(ومن نصب شخصا كائنا من كان فوالى وعادى على موافقته في القول والفعل فهو {من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا} الآية). اهـ مجموع الفتاوى (20/8)




- باب في بيان أن التبديع مطابق للتكفير وبأن كليهما من الوعيد


قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-:

(ما ثبت قبحه من البدع وغير البدع من المنهي عنه في الكتاب والسنة أو المخالف للكتاب والسنة: إذا صدر عن شخص من الأشخاص، فقد يكون على وجه يعذر فيه؛ إما لاجتهاد أو تقليد يعذر فيه، وإما لعدم قدرته، كما قد قررته في غير هذا الموضع. وقررته أيضا في أصل "التكفير والتفسيق" المبني على أصل الوعيد.

فإن نصوص "الوعيد" التي في الكتاب والسنة، ونصوص الأئمة بالتكفير والتفسيق، ونحو ذلك: لا تستلزم ثبوت موجَبها في حق المعين، إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع، لا فرق في ذلك بين الأصول والفروع) مجموع الفتاوى (10/ 371).

وقال في مناظرة له مع بعض من عنده بدع : (ثم قلت لهم: وليس كل من خالف في شيء من هذا الاعتقاد يجب أن يكون هالكا فإن المنازع قد يكون مجتهدا مخطئا يغفر الله خطأه وقد لا يكون بلغه في ذلك من العلم ما تقوم به عليه الحجة وقد يكون له من الحسنات ما يمحو الله به سيئاته، وإذا كانت ألفاظ الوعيد المتناولة له لا يجب أن يدخل فيها المتأول والقانت وذو الحسنات الماحية والمغفور له وغير ذلك: فهذا أولى، بل موجب هذا الكلام أن من اعتقد ذلك نجا في هذا الاعتقاد ومن اعتقد ضده فقد يكون ناجيا وقد لا يكون ناجيا كما يقال من صمت نجا.) (مجموع الفتاوى 3/180)



- باب في بيان أن المبادرة إلى تعيين الوعيد من تبديع أو تكفير من صفات اهل الضلال والزيغ


قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- :

(أني دائما ومن جالسني يعلم ذلك مني: أني من أعظم الناس نهياً عن أن ينسب معين إلى تكفير وتفسيق ومعصية، إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافرا تارة وفاسقا أخرى وعاصيا أخرى وإني أقرر أن الله قد غفر لهذه الأمة خطأها: وذلك يعم الخطأ في المسائل الخبرية القولية والمسائل العملية. وما زال السلف يتنازعون في كثير من هذه المسائل ولم يشهد أحد منهم على أحد لا بكفر ولا بفسق ولا معصية كما أنكر شريح قراءة من قرأ {بل عجبت ويسخرون} وقال: إن الله لا يعجب، فبلغ ذلك إبراهيم النخعي فقال إنما شريح شاعر يعجبه علمه. كان عبد الله أعلم منه وكان يقرأ {بل عجبت}. وكما نازعت عائشة وغيرها من الصحابة في رؤية محمد ربه وقالت: من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية ومع هذا لا نقول لابن عباس ونحوه من المنازعين لها: إنه مفتر على الله. وكما نازعت في سماع الميت كلام الحي وفي تعذيب الميت ببكاء أهله وغير ذلك. وقد آل الشر بين السلف إلى الاقتتال. مع اتفاق أهل السنة على أن الطائفتين جميعا مؤمنتان، وأن الاقتتال لا يمنع العدالة الثابتة لهم، لأن المقاتل وإن كان باغيا فهو متأول والتأويل يمنع الفسوق. وكنت أبين لهم أنما نقل لهم عن السلف والأئمة من إطلاق القول بتكفير من يقول كذا وكذا فهو أيضا حق، لكن يجب التفريق بين الإطلاق والتعيين. وهذه أول مسألة تنازعت فيها الأمة من مسائل الأصول الكبار وهي مسألة " الوعيد " فإن نصوص القرآن في الوعيد مطلقة كقوله {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما} الآية وكذلك سائر ما ورد: من فعل كذا فله كذا. فإن هذه مطلقة عامة. وهي بمنزلة قول من قال من السلف من قال كذا: فهو كذا. ثم الشخص المعين يلتغي حكم الوعيد فيه: بتوبة أو حسنات ماحية أو مصائب مكفرة أو شفاعة مقبولة.

والتكفير هو من الوعيد. فإنه وإن كان القول تكذيبا لما قاله الرسول، لكن قد يكون الرجل حديث عهد بإسلام أو نشأ ببادية بعيدة. ومثل هذا لا يكفر بجحد ما يجحده حتى تقوم عليه الحجة. وقد يكون الرجل لا يسمع تلك النصوص أو سمعها ولم تثبت عنده أو عارضها عنده معارض آخر أوجب تأويلها، وإن كان مخطئا، وكنت دائما أذكر الحديث الذي في الصحيحين في الرجل الذي قال: " {إذا أنا مت فأحرقوني ثم اسحقوني، ثم ذروني في اليم فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا من العالمين، ففعلوا به ذلك فقال الله له: ما حملك على ما فعلت. قال خشيتك: فغفر له} ". فهذا رجل شك في قدرة الله وفي إعادته إذا ذري، بل اعتقد أنه لا يعاد، وهذا كفر باتفاق المسلمين، لكن كان جاهلا لا يعلم ذلك وكان مؤمنا يخاف الله أن يعاقبه فغفر له بذلك. والمتأول من أهل الاجتهاد الحريص على متابعة الرسول أولى بالمغفرة من مثل هذا.) مجموع الفتاوى (3/ 229 - 231)

وقال: (أن القول قد يكون كفرا فيطلق القول بتكفير صاحبه ويقال من قال كذا فهو كافر لكن الشخص المعين الذي قاله لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها. وهذا كما في نصوص الوعيد فإن الله سبحانه وتعالى يقول: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا} فهذا ونحوه من نصوص الوعيد حق لكن الشخص المعين لا يشهد عليه بالوعيد فلا يشهد لمعين من أهل القبلة بالنار لجواز أن لا يلحقه الوعيد لفوات شرط أو ثبوت مانع فقد لا يكون التحريم بلغه وقد يتوب من فعل المحرم وقد تكون له حسنات عظيمة تمحو عقوبة ذلك المحرم وقد يبتلى بمصائب تكفر عنه وقد يشفع فيه شفيع مطاع.

وهكذا الأقوال التي يكفر قائلها قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق وقد تكون عنده ولم تثبت عنده أو لم يتمكن من فهمها وقد يكون قد عرضت له شبهات يعذره الله بها فمن كان من المؤمنين مجتهدا في طلب الحق وأخطأ فإن الله يغفر له خطأه كائنا ما كان سواء كان في المسائل النظرية أو العملية هذا الذي عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. وجماهير أئمة الإسلام وما قسموا المسائل إلى مسائل أصول يكفر بإنكارها ومسائل فروع لا يكفر بإنكارها. فأما التفريق بين نوع وتسميته مسائل الأصول وبين نوع آخر وتسميته مسائل الفروع فهذا الفرق ليس له أصل لا عن الصحابة ولا عن التابعين لهم بإحسان ولا أئمة الإسلام وإنما هو مأخوذ عن المعتزلة وأمثالهم من أهل البدع وعنهم تلقاه من ذكره من الفقهاء في كتبهم وهو تفريق متناقض فإنه يقال لمن فرق بين النوعين: ما حد مسائل الأصول التي يكفر المخطئ فيها؟ وما الفاصل بينها وبين مسائل الفروع؟ فإن قال: مسائل الأصول هي مسائل الاعتقاد ومسائل الفروع هي مسائل العمل. قيل له: فتنازع الناس في محمد صلى الله عليه وسلم هل رأى ربه أم لا؟ وفي أن عثمان أفضل من علي أم علي أفضل؟ وفي كثير من معاني القرآن وتصحيح بعض الأحاديث هي من المسائل الاعتقادية العلمية ولا كفر فيها بالاتفاق ووجوب الصلاة والزكاة والصيام والحج وتحريم الفواحش والخمر هي مسائل عملية والمنكر لها يكفر بالاتفاق. وإن قال الأصول: هي المسائل القطعية قيل لا: كثير من مسائل العمل قطعية وكثير من مسائل العلم ليست قطعية وكون المسألة قطعية أو ظنية هو من الأمور الإضافية وقد تكون المسألة عند رجل قطعية لظهور الدليل القاطع له كمن سمع النص من الرسول صلى الله عليه وسلم وتيقن مراده منه. وعند رجل لا تكون ظنية فضلا عن أن تكون قطعية لعدم بلوغ النص إياه أو لعدم ثبوته عنده أو لعدم تمكنه من العلم بدلالته. وقد ثبت في الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث الذي قال لأهله: " {إذا أنا مت فأحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني في اليم فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني الله عذابا ما عذبه أحدا من العالمين. فأمر الله البر برد ما أخذ منه والبحر برد ما أخذ منه وقال: ما حملك على ما صنعت؟ قال خشيتك يا رب فغفر الله له} فهذا شك في قدرة الله. وفي المعاد بل ظن أنه لا يعود وأنه لا يقدر الله عليه إذا فعل ذلك وغفر الله له. وهذه المسائل مبسوطة في غير هذا الموضع.

ولكن المقصود هنا أن مذاهب الأئمة مبنية على هذا التفصيل بين النوع والعين ولهذا حكى طائفة عنهم الخلاف في ذلك ولم يفهموا غور قولهم فطائفة تحكي عن أحمد في تكفير أهل البدع روايتين مطلقا حتى تجعل الخلاف في تكفير المرجئة والشيعة المفضلة لعلي وربما رجحت التكفير والتخليد في النار وليس هذا مذهب أحمد ولا غيره من أئمة الإسلام بل لا يختلف قوله أنه لا يكفر المرجئة الذين يقولون: الإيمان قول بلا عمل ولا يكفر من يفضل عليا على عثمان بل نصوصه صريحة بالامتناع من تكفير الخوارج والقدرية وغيرهم. وإنما كان يكفر الجهمية المنكرين لأسماء الله وصفاته؛ لأن مناقضة أقوالهم لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ظاهرة بينة: ولأن حقيقة قولهم تعطيل الخالق وكان قد ابتلي بهم حتى عرف حقيقة أمرهم وأنه يدور على التعطيل وتكفير الجهمية مشهور عن السلف والأئمة. لكن ما كان يكفر أعيانهم فإن الذي يدعو إلى القول أعظم من الذي يقول به والذي يعاقب مخالفه أعظم من الذي يدعو فقط والذي يكفر مخالفه أعظم من الذي يعاقبه ومع هذا فالذين كانوا من ولاة الأمور يقولون بقول الجهمية: إن القرآن مخلوق وإن الله لا يرى في الآخرة وغير ذلك. ويدعون الناس إلى ذلك ويمتحنونهم ويعاقبونهم إذا لم يجيبوهم ويكفرون من لم يجبهم. حتى أنهم كانوا إذا أمسكوا الأسير لم يطلقوه حتى يقر بقول الجهمية: إن القرآن مخلوق وغير ذلك. ولا يولون متوليا ولا يعطون رزقا من بيت المال إلا لمن يقول ذلك ومع هذا فالإمام أحمد رحمه الله تعالى ترحم عليهم واستغفر لهم لعلمه بأنهم لمن يبين لهم أنهم مكذبون للرسول ولا جاحدون لما جاء به ولكن تأولوا فأخطئوا وقلدوا من قال لهم ذلك. وكذلك الشافعي لما قال لحفص الفرد حين قال: القرآن مخلوق: كفرت بالله العظيم. بين له أن هذا القول كفر ولم يحكم بردة حفص بمجرد ذلك؛ لأنه لم يتبين له الحجة التي يكفر بها ولو اعتقد أنه مرتد لسعى في قتله وقد صرح في كتبه بقبول شهادة أهل الأهواء والصلاة خلفهم. وكذلك قال مالك رحمه الله والشافعي وأحمد في القدري: إن جحد علم الله كفر ولفظ بعضهم ناظروا القدرية بالعلم فإن أقروا به خصموا وإن جحدوه كفروا. وسئل أحمد عن القدري: هل يكفر؟ فقال: إن جحد العلم كفر وحينئذ فجاحد العلم هو من جنس الجهمية. وأما قتل الداعية إلى البدع فقد يقتل لكف ضرره عن الناس كما يقتل المحارب. وإن لم يكن في نفس الأمر كفرا فليس كل من أمر بقتله يكون قتله لردته وعلى هذا قتل غيلان القدري وغيره قد يكون على هذا الوجه. وهذه المسائل مبسوطة في غير هذا الموضع وإنما نبهنا عليها تنبيها.) مجموع الفتاوى (23 / 345 - 350)

وقال : (التكفير حكم شرعي يرجع إلى إباحة المال وسفك الدماء والحكم بالخلود في النار فمأخذه كمأخذ سائر الأحكام الشرعية فتارة يدرك بيقين وتارة يدرك بظن غالب وتارة يتردد فيه ومهما حصل تردد فالتوقف عن التكفير أولى والمبادرة إلى التكفير إنما تغلب على طباع من يغلب عليهم الجهل) بغية المرتاد ص 345 ط مكتبة العلوم والحكم

وقال: (التكفير له شروط وموانع قد تنتقي في حق المعين وأن تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع يبين هذا أن الإمام أحمد وعامة الأئمة: الذين أطلقوا هذه العمومات لم يكفروا أكثر من تكلم بهذا الكلام بعينه. فإن الإمام أحمد - مثلا - قد باشر " الجهمية " الذين دعوه إلى خلق القرآن ونفي الصفات وامتحنوه وسائر علماء وقته وفتنوا المؤمنين والمؤمنات الذين لم يوافقوهم على التجهم بالضرب والحبس والقتل والعزل عن الولايات وقطع الأرزاق ورد الشهادة وترك تخليصهم من أيدي العدو بحيث كان كثير من أولي الأمر إذ ذاك من الجهمية من الولاة والقضاة وغيرهم: يكفرون كل من لم يكن جهميا موافقا لهم على نفي الصفات مثل القول بخلق القرآن ويحكمون فيه بحكمهم في الكافر فلا يولونه ولاية ولا يفتكونه من عدو ولا يعطونه شيئا من بيت المال ولا يقبلون له شهادة ولا فتيا ولا رواية ويمتحنون الناس عند الولاية والشهادة والافتكاك من الأسر وغير ذلك. فمن أقر بخلق القرآن حكموا له بالإيمان ومن لم يقر به لم يحكموا له بحكم أهل الإيمان ومن كان داعيا إلى غير التجهم قتلوه أو ضربوه وحبسوه. ومعلوم أن هذا من أغلظ التجهم فإن الدعاء إلى المقالة أعظم من قولها وإثابة قائلها وعقوبة تاركها أعظم من مجرد الدعاء إليها والعقوبة بالقتل لقائلها أعظم من العقوبة بالضرب. ثم إن الإمام أحمد دعا للخليفة وغيره. ممن ضربه وحبسه واستغفر لهم وحللهم مما فعلوه به من الظلم والدعاء إلى القول الذي هو كفر ولو كانوا مرتدين عن الإسلام لم يجز الاستغفار لهم؛ فإن الاستغفار للكفار لا يجوز بالكتاب والسنة والإجماع وهذه الأقوال والأعمال منه ومن غيره من الأئمة صريحة في أنهم لم يكفروا المعينين من الجهمية الذين كانوا يقولون: القرآن مخلوق وإن الله لا يرى في الآخرة وقد نقل عن أحمد ما يدل على أنه كفر به قوما معينين فأما أن يذكر عنه في المسألة روايتان ففيه نظر أو يحمل الأمر على التفصيل. فيقال: من كفره بعينه؛ فلقيام الدليل على أنه وجدت فيه شروط التكفير وانتفت موانعه ومن لم يكفره بعينه؛ فلانتفاء ذلك في حقه هذه مع إطلاق قوله بالتكفير على سبيل العموم. والدليل على هذا الأصل: الكتاب والسنة والإجماع والاعتبار. أما الكتاب: فقوله سبحانه وتعالى: {وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به} وقوله تعالى {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} .) مجموع الفتاوى (12/419)

وقال : (لا يلزم إذا كان القول كفراً، أن يكفر كل من قاله مع الجهل والتأويل، فإن ثبوت الكفر في حق الشخص المعين، كثبوت الوعيد في الآخرة في حقه، وذلك له شروط وموانع، كما بسطناه في موضعه) اهـ (منهاج السنة 5/240)

وقال : (أن القول قد يكون كفرا كمقالات الجهمية الذين قالوا: إن الله لا يتكلم ولا يرى في الآخرة؛ ولكن قد يخفى على بعض الناس أنه كفر فيطلق القول بتكفير القائل؛ كما قال السلف من قال: القرآن مخلوق فهو كافر ومن قال: إن الله لا يرى في الآخرة فهو كافر ولا يكفر الشخص المعين حتى تقوم عليه الحجة) مجموع الفتاوى (7/619)

العذر بالجهل في الشرك الأكبر عند أئمة السلف المتقدمين


بسم الله الرحمن الرحيم

نقل الإمام اللالكائي والإمام السجزي

اجماع السلف الصالح على العذر بالجهل في الشرك الأكبر

وأن الحجة في التوحيد [ بالسمع ] فقط.

وأن معرفة التوحيد بالعقل ممكنة لكنها ليست حجة بالإجماع خلافاً للمعتزلة والخوارج.

وباب الأسماء والأحكام من الشرائع.

ولمن ينطق بالشهادتين أسماء وأحكام تختلف عن أسماء وأحكام الكافر الأصلي.

فمن نطق بالشهادتين اسمين:

إما  [ مسلم مؤمن ] حكماً

او [ مرتد كافر مشرك ] خالد مخلد في النار وليس هناك مرتد يمتحن يوم القيامة.

 قال تعالى : {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}.  (البقرة 217)



قال شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان أن ثبوت اسم الردة والكفر على من ينطق بالشهادتين كثبوت الوعيد في الاخرة بحقه:

(لا يلزم إذا كان القول كفراً، أن يكفر كل من قاله مع الجهل والتأويل؛ فإن ثبوت الكفر في حق الشخص المعين، كثبوت الوعيد في الآخرة في حقه، وذلك له شروط وموانع، كما بسطناه في موضعه) اهـ منهاج السنة 5/240

قال صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله) صحيح البخاري



قال صلى الله عليه وسلم: (من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله، فلا تخفروا الله في ذمته) صحيح البخاري

والشهادتين والصلاة وباقي اركان الإسلام والإيمان (توحـيد وإيمان)



قال الإمام ابن بطة: (وإقام الصلاة هو العمل، وهو الدين الذي أرسل به المرسلين، وأمر به المؤمنين، فما ظنكم رحمكم الله بمن يقول: إن الصلاة ليست من الإيمان والله عز وجل يقول: {منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين}.)  الإبانة الكبرى 2/792

والتوحيد يجتمع مع الشرك والكفر اذا وجد مانع من الموانع الشرعية كالإكراه والجهل والتأويل والخطأ

قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن بعض المسلمين الواقعين بالشرك الأكبر جهلاً:

(يثاب الرجل على ما معه من الإيمان القليل ويغفر الله فيه لمن لم تقم الحجة عليه) مجموع الفتاوى 35 / 164 – 166


وقال: (وإذا عرف هذا فتكفير المعين من هؤلاء الجهال وأمثالهم بحيث يحكم عليه بأنه من الكفار لا يجوز الإقدام عليه إلا بعد أن تقوم على أحدهم الحجة الرسالية التي يتبين بها أنهم مخالفون للرسل وإن كانت هذه المقالة لا ريب أنها كفر. وهكذا الكلام في تكفير جميع المعينين مع أن بعض هذه البدعة أشد من بعض وبعض المبتدعة يكون فيه من الإيمان ما ليس في بعض فليس لأحد أن يكفر أحدا من المسلمين وإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة وتبين له المحجة. ومن ثبت إيمانه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك؛ بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة.) مجموع الفتاوى (12/ 500)


وقال: (فغالب الناس إسلامهم حكمي ... إنما يعملون الأعمال عادة ومتابعة كما هو الواقع في كثير من الناس) مجموع الفتاوى ج 26/ ص 32

فمن دخل الإسلام الحكمي بنطقه بالشهادتين فلا يخرج عنه ويسمى مرتدا الا بعد اقامة الحجة وتحقق الشروط وانتفاء الموانع.

وللممتنع احكام تختلف عن غير الممتنع.

قال الإمام اللالكائي رحمه الله :

(سياق ما يدل من كتاب الله عز وجل وما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن وجوب معرفة الله تعالى وصفاته بالسمع لا بالعقل قال الله تعالى يخاطب نبيه صلى الله عليه وسلم بلفظ خاص والمراد به العام : {فاعلم أنه لا إله إلا الله} [محمد: 19] . وقال تبارك وتعالى: {اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين} [الأنعام: 106] . وقال تبارك وتعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} [الأنبياء: 25] . فأخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية أن بالسمع والوحي عرف الأنبياء قبله التوحيد. وقال تعالى: {قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي إنه سميع قريب} [سبأ: 50] . وقد استدل إبراهيم بأفعاله المحكمة المتقنة على وحدانيته بطلوع الشمس وغروبها , وظهور القمر وغيبته , وظهور الكواكب وأفولها ثم قال: {لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين} [الأنعام: 77] , فعلم أن الهداية وقعت بالسمع. وكذلك وجوب معرفة الرسل بالسمع. قال الله تبارك وتعالى: {قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون} . وقال تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} [الإسراء: 15] . وقال تبارك وتعالى: {لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} [النساء: 165] . وقال تبارك وتعالى: {وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين , ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر وما كنت ثاويا في أهل مدين تتلو عليهم آياتنا ولكنا كنا مرسلين , وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون. ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين} [القصص: 45] . {وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه أولم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى} [طه: 133] . فدل على أن معرفة الله والرسل بالسمع كما أخبر الله عز وجل. وهذا مذهب أهل السنة والجماعة). اهـ

شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 2/ 216-220 ط دار طيبة

قال الإمام السجزي -رحمه الله-:

(إقامة البرهان على أن الحجة القاطعة هي التي يرد بها السمع لا غير وأن العقل آلة للتمييز فحسب.

قال الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد}. فأمر جل جلاله نبيه عليه السلام أن يدعو إلى إثبات الوحدانية بالوحي وقال: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} فبين أن من تقدم من الرسل كانوا يحتجون على الكفار في الوحدانية بالوحي ولم يؤمروا إلا بذلك. وقال جل جلاله: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا}. وقال: {وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون}.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: {أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله تعالى}.

ولم يدع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المحاجة بالعقل أحدا ولا أمر بذلك أمته.

وقال عمر وسهل بن حنيف: (اتهموا الرأي على الدين)

ولا مخالف لهما في الصحابة، وقد كانا يجتهدان في الفروع، فعلم أنهما أرادا بذلك المنع من الرجوع إلى العقل في المعتقدات.

ولا خلاف بين الفقهاء في أن الكفار والملحدين لا يجب أن يناظروا بالعقليات، وأن المسلمين قد أمروا بالأخذ بما آتاهم الرسول، والانتهاء عما نهاهم عنه، وحذروا من أن تصيبهم الفتنة أو (العذاب) الأليم في مخالفتهم أمره، قال الله سبحانه: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} وقال تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} وقد كره عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع جلالته الصلح يوم الحديبية، واستعظم رد المسلمين على الكفار، وكان ذلك من طريق العقل حتى قال له النبي صلى الله عليه وسلم: {تراني قد رضيت يا عمر وتأبى} فانتبه عند ذلك عمر وسكت علما منه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مفترض الطاعة، ولأنه لا ينطق عن الهوى، وأن الوحي لا يقابل بالعقل.

ولا خلاف بين المسلمين في أن كتاب الله لا يجوز رده بالعقل. بل العقل دل على وجوب قبوله والائتمام به، وكذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم إذا ثبت عنه لا يجوز رده وأن الواجب رد كل ما خالفهما أو أحدهما.

واتفق السلف على أن معرفة الله من طريق العقل ممكنة غير واجبة، وأن الوجوب من طريق السمع لأن الوعيد مقترن بذلك قال تعالى:{وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} فلما علمنا بوجود العقل قبل الإرسال، وأن العذاب مرتفع عن أهله، ووجدنا من خالف الرسل والنصوص مستحقا للعذاب بينا أن الحجة هي ما ورد به السمع لا غير.

وقد اتفقنا أيضا على أن رجلا لو قال: العقل ليس بحجة في نفسه وإنما يعرف به الحجة لم يكفر ولم يفسق، ولو قال رجل: كتاب الله سبحانه ليس بحجة علينا بنفسه، كان كافرا مباح الدم.

فتحققنا أن الحجة القاطعة هي التي يرد بها السمع لا غير.

ووجدنا أيضا القائلين بالعقل المجرد وأنه أول الحجج مختلفين فيه، كل واحد يزعم أن الحق معه وأن مخالفه قد أخطأ الطريق، ولا سبيل إلى من يحكم بينهم في الحال، وإنما الحاصل دوام الجدل المنهي عنه، ونجدهم أيضا يقولون اليوم قولا يزعمون أنه مقتضى العقل، ويرجعون عنه غدا إلى غيره، وما كان بهذه المثابة لا يجب أن يكون حجة في نفسه.

ووجدنا الكتاب المنزل غير جائز ورود النسخ عليه.

وقد وجب علينا الإذعان له، والدخول تحت حكمه، فكانت الحجة فيه لا في مجرد العقل.

وإنما ورد الكتاب بالتنبيه على العقل وفضله وبين أن من خالف الكتاب ممن لا يعقل لأن العقل يقتضي قبول العبد من مولاه، وترك ظنه له، ومصيره إلى طاعته ويحكم بقبح ما خالف ذلك.

وفي هذا القدر كفاية إن شاء الله تعالى.

على أن الأشعري يزعم أن العقل لا يقتضي حسنا ولا قبيحا. وهذا لعمري مخالفة العقل عيانا، وسيأتي بيان ذلك في غير هذا الفصل بمشيئة الله عز وجل.

وإذا ثبت ما قلناه زال شغبهم في أن العقل يقتضي ما يقولونه، لأنا لم نؤثر باتباع عقل يخالف السمع، وسنذكر كذبهم في اقتضاء العقل ما صاروا إليه بعد هذا إن شاء الله عز وجل.) اهـ. رسالة السجزي (ص 131-143)

قال صلى الله عليه وسلم : (إن رجلاً لم يعمل خيراً قط فقال لأهله إذا مات فأحرقوه، ثم اذروا نصفه في البر ونصفه في البحر، فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين، فلما مات الرجل، فعلوا به كما أمرهم، فأمر الله البر فجمع ما فيه، وأمر البحر فجمع ما فيه، فإذا هو قائم بين يديه، ثم قال: لم فعلت هذا؟ قال: من خشيتك يارب وأنت أعلم فغفر الله له). متفق عليه

قال الإمام ابن قتيبة (ت 276 هـ) : (وهذا رجل مؤمن بالله، مقر به، خائف له، إلا أنه جهل صفة من صفاته، فظن أنه إذا أحرق وذري في الريح أنه يفوت الله تعالى، فغفر الله تعالى له بمعرفته ما بنيته، وبمخافته من عذابه جهله بهذه الصفة من صفاته). اهـ

معلوم أن صفة القدرة مدركه بالعقل والفطرة.

وجهل هذه الصفة شرك أكبر في الربوبية.

والشرك في الربوبية اظهر وأعظم من الشرك في الالوهية.

ومع هذا فإن الإمام ابن قتيبة -رحمه الله- يذهب الى أن من وقع في هذا جهلا أنه معذور.


أقوال أئمة أهل السنة والجماعة المتقدمين والمتأخرين في المشركين المعطلة لصفات الله -عز وجل- القائلين بخلق القرآن وفي بيان أنهم أظهر وأعظم شركا من عبّاد الأوثان ومن اليهود والنصارى ثم تليها بعض أقوال الائمة المتقدمين في عذرهم بالجهل وعدم تكفير اعيانهم الا بعد اقامة الحجة :

قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: [ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَعْبَدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، يَقُولُ: " مَنْ قَالَ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ، فَهُوَ يَعْبُدُ صَنَمًا ] (الإبانة الكبرى 6/36)

قال عبدالله بْنَ الْمُبَارَكِ وَمُوسَى بْنَ أَعْيَنَ: [ مَنْ قَالَ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ؛ فَهُوَ كَافِرٌ أَكْفَرُ مِنْ هُرْمُزَ ] شرح أصول الإعتقاد للالكائي 2/28

قال الإمام البخاري: [ نَظَرْتُ فِي كَلاَمِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ فَمَا رَأَيْتُ قَوْمًا أَضَلَّ فِي كُفْرِهِمْ مِنْهُمْ  ] خلق أفعال العباد ص 30

قال أبو عُبَيْدٍ الْقَاسِمَ بْنَ سَلَّامٍ: [ مَنْ قَالَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ فَهُوَ شَرٌّ مِمَّنْ قَالَ : {إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ}  جَلَّ اللَّهُ وَتَعَالَى؛ لِأَنَّ أُولَئِكَ يُثْبِتُونَ شَيْئًا، وَهَؤُلَاءِ لَا يُثْبِتُونَ الْمَعْنَى ] شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي 2/291

قال الإمام الطبراني: [ من قال: إنه مخلوق، فهو شر من اليهود والنصارى وعبدة الأوثان ] الحجة على تارك المحجة 2/484

قال الإمام ابن القيم -رحمه الله- في بيان أن شرك المعطلة لصفات الخالق -عز وجل- مدرك بالعقل والفطرة وبأنه اظهر واعظم من شرك الأوثان : (القول على الله بلا علم في أسمائه وصفاته وأفعاله، ووصفه بضد ما وصف به نفسه ووصفه به رسوله، صلى الله عليه وسلم. فهذا أشد شيء مناقضة ومنافاة لكمال من له الخلق والأمر، وقدح في نفس الربوبية وخصائص الرب..

فإن المشرك المقر بصفات الرب خير من المعطل الجاحد لصفات كماله، كما أن من أقر لملك بالملك، ولم يجحد ملكه ولا الصفات التي استحق بها الملك، لكن جعل معه شريكا في بعض الأمور، يقربه إليه، خير ممن جحد صفات الملك وما يكون به ملكا، وهذا أمر مستقر في سائر الفطر والعقول.

فأين القدح في صفات الكمال والجحد لها، من عبادة واسطة بين المعبود الحق وبين العابد، يتقرب إليه بعبادة تلك الواسطة إعظاما له وإجلالا؟

فداء التعطيل هذا الداء العضال الذي لا دواء له) الجواب الكافي ص 144 ط دار المعرفة

وقال رحمه الله : (فشرك عباد الأصنام والأوثان والكواكب والشمس والقمر خير من توحيد هؤلاء بكثير فإنه شرك في الإلهية مع إثبات صانع العالم وصفاته وأفعاله وقدرته ومشيئته وعلمه بالكليات والجزئيات وتوحيد هؤلاء تعطيل الربوبية والإلهية وسائر صفاته وهذا التوحيد ملازم لأعظم أنواع الشرك ولهذا كلما كان الرجل أعظم تعطيلا كان أعظم شركا ولا تجد معطلا نافيا إلا وفيه من الشرك بقدر ما فيه من التعطيل وتوحيد الجهمية والفلاسفة مناقض لتوحيد الرسل من كل وجه فإن مضمون توحيد الجهمية إنكار حياة الرب وعلمه وقدرته وسمعه وبصره وكلامه واستوائه على عرشه ورؤية المؤمنين له بأبصارهم عيانا من فوقهم يوم القيامة وإنكار وجهه الأعلى ويديه ومجيئه وإتيانه ومحبته ورضاه وغضبه وضحكه وسائر ما أخبر به الرسول عنه ومعلوم أن هذا التوحيد هو نفس تكذيب الرسول فيما أخبر به عن الله وجحده فاستعار له أصحابه اسم التوحيد وقالوا نحن الموحدون كما استعار المنكرون للقدر اسم العدل بجحده ودفعه وقالوا نحن أهل التوحيد والعدل فهذا توحيدهم وهذا عدلهم والعدل والتوحيد الذي جاء به الرسول خلاف هذا وهذا قال الله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الأِسْلامُ} [آل عمران 19، 18]) الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية 3/1112 ط دار العاصمة

- اقوال ائمة اهل السنة والجماعة المتقدمين في عذر هؤلاء بالجهل وعدم تكفيرهم الا بعد اقامة الحجة:


- عذر الإمام أحمد بن حنبل للخليفة المعتصم لتأويله وجهله والبيعة والطاعة له والنهي عن الخروج عليه

قال الامام احمد عن الخليفة المعتصم -المعطل للصفات الواقع في الشرك الأكبر-:
(وكان لا يعلم ولا يعرف، ويظن أن القول قولهم، فيقول: يا أحمد إني عليك شفيق، فقلت: يا أمير المؤمنين هذا القرآن وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخباره، فما وضح من حجة صرت إليها. قال: فيتكلم هذا وهذا) الإبانة لابن بطة 6/253 ط دار الراية

وقال: (ثم جعل يقول لي: ما أعرفك! ألم تكن تأتينا؟ فقال له عبد الرحمن: يا أمير المؤمنين، أعرفه من ثلاثين سنة، يرى طاعتك والحج والجهاد معك، وهو ملازم لمنزله) المحنة لعبدالغني المقدسي (ص: 55)  ط دار الكتب العلمية / الاولى

وقال: (وقد جعلت أبا إسحاق "المعتصم" في حل ورأيت الله عز وجل يقول: {وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم} وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر بالعفو في قضية مسطح، ثم قال أبو عبد الله: العفو أفضل، وما ينفعك أن يعذب أخوك المسلم بسببك ولكن تعفو وتصفح عنه، فيغفر الله لك كما وعدك.) المحنة لعبدالغني المقدسي (ص: 92)  ط دار الكتب العلمية / الاولى

- عذر الإمام أحمد بن حنبل للخليفة الواثق لتأويله وجهله والبيعة والطاعة له والنهي عن الخروج عليه

قال الخلال في "السنة" (1/133-134): (90 - وأخبرني علي بن عيسى قال سمعت حنبل يقول: في ولاية الواثق اجتمع فقهاء بغداد إلى أبي عبدالله أبو بكر بن عبيد وإبراهيم بن علي المطبخي وفضل بن عاصم فجاؤوا إلى أبي عبدالله فاستأذنت لهم فقالوا يا أبا عبدالله هذا الأمر قد تفاقم وفشا يعنون إظهاره لخلق القرآن وغير ذلك فقال لهم أبو عبدالله فما تريدون قالوا أن نشاورك في أنا لسنا نرضى بإمرته ولا سلطانه فناظرهم أبو عبدالله ساعة وقال لهم عليكم بالنكرة بقلوبكم ولا تخلعوا يدا من طاعة ولا تشقوا عصا المسلمين ولا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين معكم انظروا في عاقبة أمركم واصبروا حتى يستريح بر أو يستراح من فاجر ودار في ذلك كلام كثير لم أحفظه ومضوا ودخلت أنا وأبي على أبي عبدالله بعدما مضوا فقال أبي لأبي عبدالله نسأل الله السلامة لنا ولأمة محمد وما أحب لأحد أن يفعل هذا وقال أبي يا أبا عبدالله هذا عندك صواب قال لا هذا خلاف الآثار التي أمرنا فيها بالصبر ثم ذكر أبو عبدالله قال قال النبي إن ضربك فاصبر وإن وإن فاصبر فأمر بالصبر قال عبدالله بن مسعود وذكر كلاما لم أحفظه)

- عذر الامام عبدالعزيز الكناني للخليفة المأمون لجهله والبيعة والطاعة له والنهي عن الخروج عليه

قال الامام الكناني :

(اتصل بي وأنا بمكة ما قد أظهره بشر بن غياث المريسي ببغداد من القول بخلق القرآن، ودعائه الناس إلى موافقته على قوله ومذهبه وتشبيهه على أمير المؤمنين المأمون وعامة الناس وما قد دفع الناس إليه من المحنة، والأخذ في الدخول في هذا الكفر والضلالة، ورهبة الناس وفزعهم من مناظرته، وإحجامهم عن الرد عليه بما يكسرون به قوله، ويدحضون به حجته ويبطلون به مذهبه، واستتار المؤمنين في بيوتهم وانقطاعهم عن الجمعات والجماعات، وهريهم من بلد إلى بلد، خوفا على أنفسهم وأديانهم، وكثرة موافقة الجهال والرعاع من الناس لبشر على مذهبه وكفره وضلالته، والدخول في بدعته، والانتحال لمذهبه، رغبة في الدنيا ورهبة من العقاب الذي كان يعاقب به من خالفه على مذهبه.) الحيدة والاعتذار ص 21 ط مكتبة العلوم والحكم.

وقال ايضا رحمه الله: (اجتمعت مع أمير المؤمنين بعد هذا المجلس فجرت بيني وبينه مناظرات كثيرة، فقال لي بعدما جرى بيننا: ويحك يا عبد العزيز، قل: القرآن مخلوق، فوالله لأوطأن الرجال عقبك، ولا نوهن باسمك، فإن لم تقل، فانظر ما ينزل بك مني، فقلت: يا أمير المؤمنين إن القلوب لا ترد بالرغبة ولا بالرهبة، ترغبني فتقول: قل حتى أفعل بك، وإن لم تفعل، انظر ماذا ينزل بك مني، فيميل إليك لساني ولا ينطق لك قلبي، فأكون قد نافقتك يا أمير المؤمنين. فقال: ويحك، فبماذا ترد القلوب؟ قال: قلت: بالبصائر يا أمير المؤمنين، بصرني من أين القرآن مخلوق؟. فقال لي: صدقت) الابانة لابن بطة 6/248 ط دار الراية

- الاجماع على اشتراط اقامة الحجة على الجهمية نقله الامام ابن ابي عاصم الشيباني (ت 287 هـ):

(ومما اتفق أهل العلم على أن نسبوه إلى السنة... -الى أن قال- والقرآن كلام الله تبارك وتعالى تكلم الله به ليس بمخلوق، ومن قال: مخلوق، ممن قامت عليه الحجة فكافر بالله العظيم، ومن قال من قبل أن تقوم عليه الحجة فلا شيء عليه) كتاب السنة له 2/645 ط المكتب الاسلامي

- قال الامام البخاري (ت 256 هـ) عن اعيان المعطلة لصفات الخالق -عز وجل-: (وكل من لم يعرف الله بكلامه أنه غير مخلوق فإنه يعلم، ويرد جهله إلى الكتاب والسنة، فمن أبى بعد العلم به، كان معاندا، قال الله تعالى: {وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون} [التوبة: 115] ، ولقوله: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا} [النساء: 115] ، فأما ما احتج به الفريقان لمذهب أحمد ويدعيه كل لنفسه، فليس بثابت كثير من أخبارهم، وربما لم يفهموا دقة مذهبه، بل المعروف عن أحمد وأهل العلم أن كلام الله غير مخلوق، وما سواه مخلوق، وأنهم كرهوا البحث والتنقيب عن الأشياء الغامضة، وتجنبوا أهل الكلام، والخوض والتنازع إلا فيما جاء فيه العلم، وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم) خلق افعال العباد ص 62 ط دار المعارف

- قال الامام الدارمي في بيان أن اعيان المعطلة للصفات لا يكفّرون الا بعد اقامة الحجة عليهم من الكتاب والسنة:

(واحتججنا عليه -يعني احد رؤس المعطلة للصفات في مناظرته معه- بما تقوم به الحجة من الكتاب والسنة) النقض على المريسي (ص 226-227) ط المكتبة الاسلامية

مع التذكير أن الجهم بن صفوان مقتول عام 128 هـ وهؤلاء الائمة مولودون بعده باكثر من 50 عام على الاقل.

ولم يكونوا يعينون التكفير على اعيان المعطلة لصفات الخالق -عز وجل- وهم اظهر واشد شركا من عباد الاوثان الا بعد ثبوت قيام الحجة وتحقق الشروط وانتفاء الموانع.

وفي تقرير ذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

(لا يلزم إذا كان القول كفراً، أن يكفر كل من قاله مع الجهل والتأويل؛ فإن ثبوت الكفر في حق الشخص المعين، كثبوت الوعيد في الآخرة في حقه، وذلك له شروط وموانع، كما بسطناه في موضعه). اهـ منهاج السنة 5/240

مذاهب طاغوتية معاصرة (الديمقراطية، القومية، البعثية)




بسم الله الرحمن الرحيم


قال تعالى: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)

قال تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)


الديمقراطية


الديمقراطية هي : حكم الشعب، والتداول السلمي للسلطة، والفصل بن السلطات، واستقلال القضاء، واحترام حقوق الإنسان، وسيادة القانون على الجميع.

1- حكم الشعب: المقصود به أن الحكم يرجع الى الشعب لا إلى الله تعالى، فالشعب يحكم بما يريد، وذلك عبر من ينوب عنهم في المجالس التشريعية.

وهذا ضلال عظيم فالله عز وجل هو الحكم واليه الحكم.


قال تعالى: (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) الأعراف 54

قال تعالى: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) القصص 68

قال تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} يوسف 40

قال تعالى: {وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} وفي قراءة ابن عامر: {وَلاَ تُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} الكهف 26

قال تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} المائدة 50

قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا} النساء 60

قال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} النساء 65

قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله هو الحكم واليه الحكم). [اخرجه ابوداود وهو صحيح]

فالله سبحانه خالق كل شيء وهو من يأمر ويشرع، وهو الحكم الذي يحكم ويفصل بين عباده، وليس لأحد أن يشرع مع الله أو يختار ما يخالف حكم الله.

تنبيه: الحكم بغير ما أنزل الله والدخول في المجالس التشريعية ليس بكفر على اطلاقه بل يشترط فيه الاعتقاد.
روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44] قال: (من جحد ما أنزل الله، فقد كفر، ومن أقرّبه، لم يحكم به فهو ظالم فاسق). أخرجه الطبري في «جامع البيان» (6/166) بإسناد حسن. «سلسلة الأحاديث الصحيحة» للإلباني (6/114)

وقال طاووس عن ابن عباس أيضاً في قوله: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}؛ قال: (ليس بالكفر الذي يذهبون إليه).

أخرجه المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (2/522/574) بإسناد صحيح. «سلسلة الأحاديث الصحيحة» للإلباني (6/114)

وفي لفظ: (كفر لا ينقل عن الملة). وفي لفظ آخر: (كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق). أخرجه المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (2/522/575) «سلسلة الأحاديث الصحيحة» للإلباني (6/114) 

ولفظ ثالث: (هو به كفره، وليس كمن كفر بالله، وملائكته، وكتبه ورسله). أخرجه المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (2/521/570) وإسناده صحيح.


(العلماء الأعلام الذين صرحوا بصحة تفسير ابن عباس واحتجوا به)

الحاكم في المستدرك (2/393)، ووافقه الذهبي، الحافظ ابن كثير في تفسيره (2/64) قال: صحيح على شرط الشيخين، الإمام القدوة محمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (2/520)، الإمام أبو المظفر السمعاني في تفسيره (2/42)، الإمام البغوي في معالم التنزيل (3/61)، الإمام أبو بكر بن العربي في أحكام القرآن (2/624)، الإمام القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (6/190)، الإمام البقاعي في نظم الدرر (2/460)، الإمام الواحدي في الوسيط (2/191)، العلامة صديق حسن خان في نيل المرام (2/472)، العلامة محمد الأمين الشنقيطي في أضواء البيان (2/101)، العلامة أبو عبيد القاسم بن سلام في الإيمان (ص 45)، العلامة أبو حيان في البحر لمحيط (3/492)، الإمام ابن بطة في الإبانة (2/723)، الإمام ابن عبد البر في التمهيد (4/237)، العلامة الخازن في تفسيره (1/310)، العلامة السعدي في تفسيره (2/296)، شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (7/312)، العلامة ابن القيم الجوزية في مدارج السالكين (1/335)، محدث العصر العلامة الألباني في "الصحيحة" (6/109).

قال فقيه الزمان العلامة ابن عثيمين في "التحذير من فتنة التكفير" (ص 6):
لكن لما كان هذا الأثر لا يرضي هؤلاء المفتونين بالتكفير؛ صاروا يقولون: هذا الأثر غير مقبول! ولا يصح عن ابن عباس! فيقال لهم: كيف لا يصحّ؛ وقد تلقاه من هو أكبر منكم، وأفضل، وأعلم بالحديث؟! وتقولون: لا نقبل ... فيكفينا أن علماء جهابذة؛ كشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم – وغيرهما – كلهم تلقوه بالقبول ويتكلمون به، وينقلونه؛ فالأثر صحيح


قال شيخ الاسلام ابن تيمية في بيان اشتراط "الإعتقاد" في شرك الطاعة والحكم:
(وهؤلاء الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً حيث أطاعوهم في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحلّ الله يكونون على وجهين:

أحدهما: أن يعلموا أنهم بدّلوا دين الله فيتّبعونهم على التبديل، فيعتقدون تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله اتباعاً لرؤساهم، مع علمهم أنهم خالفوا دين الرسل، فهذا كفر وقد جعله الله ورسوله شركاً وإن لم يكونوا يصلّون لهم ويسجدون لهم، فكان من اتبع غيره في خلاف الدين مع علمه أنه خلاف الدين واعتقد ما قاله ذلك دون ما قاله الله ورسوله مشركاً مثل هؤلاء.

والثاني: أن يكون اعتقادهم وإيمانهم بتحريم الحلال وتحليل الحرام ثابتاً، لكنهم أطاعوهم في معصية الله، كما يفعل المسلم ما يفعله من المعاصي التي يعتقد أنها معاص، فهؤلاء لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إنما الطاعة في المعروف}، وقال: {على المسلم السمع والطاعة فيما أحب أو كره ما لم يؤمر بمعصية}). مجموع الفتاوى 7/70

 وقال في بيان أن المبدل والمشرع شرعاً هو من ينسب حكمه لله عز وجل كذباً وعمداً  بغير تأويل وليس بمجرد الحكم بغير ما انزل الله، وأن الحكم بغير ما أنزل الله يشترط فيه الاستحلال: (والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه أو حرم الحلال المجمع عليه أو بدل الشرع المجمع عليه كان كافرا مرتدا باتفاق الفقهاء. وفي مثل هذا نزل قوله على أحد القولين: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} أي هو المستحل للحكم بغير ما أنزل الله، ولفظ الشرع يقال في عرف الناس على ثلاثة معان: "الشرع المنزل" وهو ما جاء به الرسول وهذا يجب اتباعه ومن خالفه وجبت عقوبته. والثاني "الشرع المؤول" وهو آراء العلماء المجتهدين فيها كمذهب مالك ونحوه. فهذا يسوغ اتباعه ولا يجب ولا يحرم، وليس لأحد أن يلزم عموم الناس به ولا يمنع عموم الناس منه. والثالث "الشرع المبدل" وهو الكذب على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أو على الناس بشهادات الزور ونحوها والظلم البين فمن قال إن هذا من شرع الله فقد كفر بلا نزاع. كمن قال: إن الدم والميتة حلال - ولو قال هذا مذهبي ونحو ذلك.) مجموع الفتاوى 267-268/ 3

قال العلامة عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب في بيان اشتراط "الاعتقاد" لمن يحكم بالقوانين الوضعية:
(وإنما يحرُم إذا كان المستند إلى الشريعة باطلة تخالف الكتاب والسنة، كأحكام اليونان والإفرنج والتتر، وقوانينهم التي مصدرها آراؤهم وأهوائهم، وكذلك البادية وعادتهم الجارية... فمن استحل الحكم بهذا في الدماء أو غيرها؛ فهو كافر، قال تعالى : {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} ... وهذه الآية ذكر فيها بعض المفسرين: أن الكفر المراد هنا: كفر دون الكفر الأكبر؛ لأنهم فهموا أنها تتناول من حكم بغير ما أنزل الله، وهو غير مستحل لذلك، لكنهم لا ينازعون في عمومها للمستحل، وأن كفره مخرج عن الملة). "منهاج التأسيس" ( ص 71)

وقال العلامة الشنقيطي في بيان اشتراط "الاعتقاد" لكفر المشرع:
(وبذلك تعلم أن الحلال هو ما أحله الله، والحرام هو ما حرمه الله، والدين هو ما شرعه الله، فكل تشريع من غيره باطل، والعمل به بدل تشريع الله عند من يعتقد أنه مثله أو خير منه كفر بواح لا نزاع فيه) اضواء البيان 8/48


2- التداول السلمي للسلطة: وهذا يعني أن يرضخ الناس لمن اُنتُخِب وينقادوا له ولو كان من أكفر الناس، فأحقية الولاية والحكم ترجع إلى اختيار الأكثرية من الشعب، ولا عبرة بالدين والشرع، وايضا إلغاء مشروعية جهاد الحاكم الكافر اذا توفرت الشروط وانتفت الموانع، وأن التغيير لا يكون إلا عن طرق الانتخابات السلمية.

وقد أجمع العلماء على أن الولاية لا تنعقد لكافر، وأنه لو طرأ عليه الكفر وجب الخروج عليه وعزله.

قال تعالى: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا) النساء 141

وفي تولية الكافر على المسلم سبيل له على المؤمنين.

وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الإسلام يعلو ولا يعلى) رواه الدارقطني والبيهقي وذكره البخاري تعليقاً بصيغة الجزم.

وتولية الكافر إعلاء لكلمة الكفر على كلمة الإسلام.

وهذا كفر من وجهين:

الأول: من جهة استحقاق الولاية بالأكثرية ولو كانت لكافر، وهذا كفر صراح، لأنه مخالف لما أجمعت عليه الأمة أن الولاية لا تنعقد لكافر.

الثاني: من جهة عدم جواز القيام عليه إذا كفر وتحققت شروط الخروج عليه وانتفت موانعه. وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان).


3- الفصل بن السلطات: المقصود من هذا الأمر في الأصل هو فصل الدين عن الحكم والسياسة والنظام الداخلي، وهذا مبدأ العلمانية التي قامت في بلاد الكفر والتي أُريد بها التحلل من تعاليم الدين وقيمه، وقد جيء بهذا الكفر إلى بلاد المسلمين ليبعدوهم عن تعاليم الإسلام وقيمه ومبادئه، ويلقوا بهم في براثن الشرك والوثنية، والتحلل الأخلاقي.

4- استقلال القضاء: يقصدون به القضاء القائم في الدول، وهو قضاء مصدره القوانين الوضعية والمجالس التشريعية، وهو من أشد القطاعات ضلالاً.

5- احترام حقوق الإنسان: لقد شرع الله لنا أعدل الأحكام وأحسنها، فأعطى كل إنسان ما يستحق، ولا عجب فهو الخالق العالم بجميع أمور خلقه، قال تعالى: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) الملك: 14، ولقد فرق الله بين أوليائه، وأعدائه، وفرق في الحقوق بين الذكر والأنثى فأعطى كلاً ما يستحق، ولقد غُصّت حلوق الكفار، وأزعجهم ما قرره دين الإسلام في التعامل مع الناس على أساس الدين والعقيدة.

وكرهوا ما أتى به الشرع في باب الحدود والجنايات، وأنكروا ما حدده في الحقوق ومقاديرها بين الذكر والأنثى.

فأنشأوا فكرة ما سموه بحقوق الإنسان، ليُشوّهوا أحكام الدين، ويصرفوا الناس عن عقيدة الولاء والبراء، وينفّروا المسلمين من الأحكام الشرعية.

والمقصود بحقوق الإنسان هو:

- التعامل مع الناس على أساس الإنسانية والمادة البشرية، بعيداَ عن الأساس الديني والعقَدي.

- إنكار الحدود الشرعية: كالقصاص، والقطع، والرجم، والجلد، باعتبار أنها تخالف مفهوم الإنسانية.

- إنكار الفروق بين الرجل والمرأة في الحقوق المقررة شرعاُ، كالطلاق والميراث، والدية، ونحوها، باعتبار اشتراكهم في الأنسانية.

وكل واحدة من الثلاث السابقة كفر مستقل بذاته، لأنها تكذيب للقرآن، وإنكار لأحكامه، وقد أجمعت الأمة على أن من أنكر أو كذّب بشيء من القرآن فهو كافر.

قال الإمام إسحاق بن راهوية -رحمه الله-: أجمع المسلمون على أن من سب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو دفع شيئاً مما أنزل الله عز وجل أو قتل نبياُ من أنبياء الله عز وجل: أنه كافر بذلك وإن كان مقراً بكل ما أنزل الله. [ التمهيد (4/226)، الصارم المسلول 1/9 ]


6- سيادة القانون على الجميع: يعني أن المصدر الأساسي الذي تسير ليه الدولة هو القانون، لأنه المصدر الأساسي الذي يقوم عليه النظام ويرجع إليه ويصدر عنه.

فالقانون هو المشرع، وهو المطاع المتبع، الذي يجب الخضوع له والانقياد لحكمه، والرجوع إليه في كل أمر دون دين الله وشرعه وهذا والعياذ بالله من اعظم الضلال.


القومية


القومية: دعوة جاهلية إلحادية، تهدف إلى محاربة الإسلام، والتخلص من أحكامه وتعاليمه، واستبدال ذلك بالقومية، وجعلها المظلة التي تجتمع تحتها الحقوق وتتساوى، وعليها يعقد الولاء والبراء.

والقوميون يعتبرون الدعوة إلى الإسلام دعوة ناقصة عن تحقيق طموحات القوميين، بل يعتبر الدين رجعية في نظرهم، ويجب فصله عن الدولة أيضاً.

بل يسعى دعاة القومية: أن تكون القومية بديلاً عن النبوات، وأن نبوة القومية يجب أن يبذل لها كل غال ورخيص، وأن يكون الإيمان بها أقوى من كل الروابط وجعلوها في الكفة الأخرى مع الإيمان بالله تعالى، وأنها يجب أن تكون هي الديانة لكل عربي.

ويتمثل دعاة الفكر القومي كثيراً قول الشاعر:

هبُوني عيداً يجعل العرب أمةً ... وسيروا بجثماني على دين برهم

سلامٌ على كُفرٍ يوحد بيننا ... وأهلاً وسهلاً بعدهُ بجهنمِ!

ويقول بعض مفكري القومية العربية: إذا كان لكل عصر نبوته المقدسة فإن القومية العربية هي نبوة العصر!

وقال أحدهم:

يا مسلمون ويا نصارى دينكم ... دين العروبة واحد لا اثنان

- إذا تبين هذا علمت أن القومية من الطواغيت التي أصبحت تقدم على الدين، ويعقد من أجلها الولاء والبراء، فيجب الكفر بها، والبراءة منها، وتكفير أهلها والبراءة منهم ومعادتهم.


البعثية

حزب البعث: حزب قومي، علماني لا ديني، يدعو إلى الانقلاب الشامل في المفاهيم والقيم العربية، لصهرها وتحويلها إلى التوجه الاشتراكي، ولهم شعار معلن وهو: أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة، وهي رسالة الحزب.

ومؤسس هذا الحزب هو: ميشيل عفلق النصراني، أسّس حزب البعث العربي الاشتراكي في إبريل (نيسان) عام 1947 م.

وكان مقصوده من تأسيس هذا الحزب هو إعادة الجاهلية القومية، والتنكّر للإسلام ودفع تعاليمه، وقلب مفاهيم الأخوة الإسلامية وصهرها في القومية العربية، بحيث تصبح القومية العربية هي مقعد الولاء والبراء، وتحته تزول الفوارق الدينية.

فمن الأصول التي وضعها مؤسس هذا الحزب:

- المادة الخامسة: (يحظر تأسيس الأحزاب السياسية والجمعيات التي تقوم على أساس زجّ الدين في السياسة).

وهذا هو عين العلمانية اللادينية، التي تهدف إلى التحرر من تعاليم الإسلام وأحكامه، وإقصاء الدين عن المعاملات، وحصره في المساجد فقط.

- كما جاء في المادة (15) من مبادئ الحزب: (الرابطة القومية هي الرابطة الوحيدة القائمة في الدول العربية التي تكفل الانسجام بين المواطنين ...).

وهذه واضحة في إلغاء الأخوة الإسلامية، وجعل القومية هي أساس الأخوة والمحبة والعداوة.

وفي المادة (41): (ترمي سياسة الحزب إلى خلق جيل عربي يأخذ بالتفكير العلمي وطليق من قيود الخرافات والتقاليد الرجعية) (انظر: نضال حزب البعث لميشيل عفلق 1/170)

ويقصد بالتقاليد الرجعية: تعاليم الإسلام وشرائعه وأحكامه.

ومن شعاراتهم:

آمنت بالبعث رباً لا شريك له ... وبالعروبة ديناً ما له ثانٍ

والحاصل أن دعوة حزب البعث قومية كفرية جاهلية تنقض أصل الدين وتحارب تعاليمه، والمقصود منها: هو إبعاد المسلمين عن دينهم، وتفريق كلمتهم وإضعاف شوكتهم، وتمزيق رابطة الدين التي جمعت بين المسلمين على مختلف ألسنتهم وبلدانهم.


صفة الكفر بالطاغوت


لقد بين الله سبحانه وتعالى أن الكفر بالطاغوت شرط في الإيمان، فقال سبحانه: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) البقرة:256

والكفر بالطاغوت يكون بأمور:

أن تكفر بها: وذلك باعتقاد بطلان عبادة غير الله، وبطلان الأديان والمذاهب الكفرية.

وتتركها: وذلك بالبراءة منها، ومن أهلها.

وتبغضها.

وتكفر أهلها، وذلك باعتقاد كفر من يعبد الطواغيت أو يؤمن بهذه المذاهب الطاغوتية بعد قيام الحجة عليه وزوال الشبهة عنه.

وتعاديهم.

قال الإمام محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله-: (اعلم رحمك الله، أن أول ما فرض الله على ابن آدم: الكفر بالطاغوت، والإيمان بالله والدليل قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [سورة النحل آية: 36].

فأما صفة الكفر بالطاغوت فأن تعتقد بطلان عبادة غير الله، وتتركها، وتبغضها، وتكفر أهلها، وتعاديهم، وأما معنى الإيمان بالله فأن تعتقد، أن الله هو الإله المعبود وحده، دون من سواه، وتخلص جميع أنواع العبادة كلها لله، وتنفيها عن كل معبود سواه، وتحب أهل الإخلاص وتواليهم، وتبغض أهل الشرك وتعاديهم؛ وهذه ملة إبراهيم التي سفه نفسه من رغب عنها، وهذه هي الأسوة التي أخبر الله بها في قوله: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [سورة الممتحنة آية: 4].) [الدرر السنية 1/161]

وقال -رحمه الله-: (وأنت يا من من الله عليه بالإسلام، وعرف أن ما من إله إلا الله، لا تظن أنك إذا قلت: هذا هو الحق، وأنا تارك ما سواه، لكن لا أتعرض للمشركين، ولا أقول فيهم شيئاً، لا تظن أن ذلك يحصل لك به الدخول في الإسلام، بل لا بد من بغضهم، وبغض من يحبهم، ومسبتهم، ومعاداتهم.) [الدرر السنية 2/109]