جواب الشبهة أنه لا تلازم بين ثبوت خلق
الإنسان على الفطرة وبين قيام الحجة عليه
قال شيخ الاسلام ابن تيمية :
(وإذا قيل إنه ولد على فطرة الإسلام أو
خلق حنيفا ونحو ذلك، فليس المراد به أنه حين خرج من بطن أمه يعلم هذا الدين ويريده،
فإن الله تعالى يقول: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ
شَيْئاً} (النحل 78)، ولكن فطرته مقتضية موجبة لدين الإسلام لمعرفته ومحبته، فنفس الفطرة
تستلزم الإقرار بخالقه ومحبته وإخلاص الدين له وموجبات الفطرة ومقتضاها تحصل شيئا بعد
شيء بحسب كمال الفطرة إذا سلمت عن المعارض، وليس المراد مجرد قبول الفطرة لذلك أكثر
من غيره، كما أن كل مولود يولد فإنه يولد على محبة ما يلائم بدنه من الأغذية والأشربة
فيشتهي اللبن الذي يناسبه). ثم قال :(إذا ثبت أن نفس الفطرة مقتضية لمعرفته ومحبته
حصل المقصود بذلك وإن لم تكن فطرة كل أحد مستقلة بتحصيل ذلك، بل يحتاج كثير منهم في
حصول ذلك إلى سبب معين للفطرة كالتعليم والتخصيص فإن الله قد بعث الرسل وأنزل الكتب
ودعوا الناس إلى موجب الفطرة من معرفة الله وتوحيده فإذا لم يحصل مانع يمنع الفطرة
وإلا استجابت لله ورسله لما فيها من المقتضي لذلك، ومعلوم أن قوله: {كل مولود يولد
على الفطرة} ليس المراد به أنه حين ولدته أمه يكون عارفا بالله موحدا له بحيث يعقل
ذلك فإن الله يقول: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ
شَيْئاً} (النحل 78)، ونحن نعلم بالاضطرار أن الطفل ليس عنده معرفة بهذا الأمر، ولكن
ولادته على الفطرة تقتضي أن الفطرة تقتضي ذلك وتستوجبه بحسبها، فكلما حصل فيه قوة العلم
والإرادة حصل من معرفتها بربها ومحبتها له ما يناسب ذلك) درء تعارض العقل والنقل 8
/383 - 461
قال شيخ الاسلام ابن تيمية عن بعض من المسلمين
الواقعين بالشرك الاكبر جهلاً:
(بل كل من كان من المتنسكة
والمتفقهة والمتعبدة والمتفقرة والمتزهدة والمتكلمة والمتفلسفة ومن وافقهم من الملوك
والأغنياء؛ والكتاب؛ والحساب؛ والأطباء؛ وأهل الديوان والعامة: خارجا عن الهدى ودين
الحق الذي بعث الله به رسوله لا يقر بجميع ما أخبر الله به على لسان رسوله؛ ولا يحرم
ما حرمه الله ورسوله؛ أو يدين بدين يخالف الدين الذي بعث الله به رسوله باطنا وظاهرا:
مثل من يعتقد أن شيخه يرزقه؛ أو ينصره أو يهديه؛ أو يغيثه؛ أو يعينه؛ أو كان يعبد شيخه
أو يدعوه ويسجد له؛ أو كان يفضله على النبي صلى الله عليه وسلم تفضيلا مطلقا؛ أو مقيدا
في شيء من الفضل الذي يقرب إلى الله تعالى؛ أو كان يرى أنه هو أو شيخه مستغن عن متابعة
الرسول صلى الله عليه وسلم فكل هؤلاء كفار إن أظهروا ذلك؛ ومنافقون إن لم يظهروه.
وهؤلاء الأجناس وإن كانوا قد كثروا في هذا
الزمان فلقلة دعاة العلم والإيمان وفتور آثار الرسالة في أكثر البلدان وأكثر هؤلاء
ليس عندهم من آثار الرسالة وميراث النبوة ما يعرفون به الهدى وكثير منهم لم يبلغهم
ذلك. وفي أوقات الفترات وأمكنة الفترات: يثاب الرجل على ما معه من الإيمان القليل ويغفر
الله فيه لمن لم تقم الحجة عليه ما لا يغفر به لمن قامت الحجة عليه كما في الحديث المعروف:
" {يأتي على الناس زمان لا يعرفون فيه صلاة ولا صياما ولا حجا ولا عمرة إلا الشيخ
الكبير؛ والعجوز الكبيرة. ويقولون: أدركنا آباءنا وهم يقولون لا إله إلا الله فقيل
لحذيفة بن اليمان: ما تغني عنهم لا إله إلا الله؟ فقال: تنجيهم من النار} . وأصل ذلك
أن المقالة التي هي كفر بالكتاب والسنة والإجماع يقال هي كفر قولا يطلق كما دل على
ذلك الدلائل الشرعية؛ فإن " الإيمان " من الأحكام المتلقاة عن الله ورسوله؛
ليس ذلك مما يحكم فيه الناس بظنونهم وأهوائهم. ولا يجب أن يحكم في كل شخص قال ذلك بأنه
كافر حتى يثبت في حقه شروط التكفير وتنتفي موانعه مثل من قال: إن الخمر أو الربا حلال؛
لقرب عهده بالإسلام؛ أو لنشوئه في بادية بعيدة أو سمع كلاما أنكره ولم يعتقد أنه من
القرآن ولا أنه من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان بعض السلف ينكر أشياء
حتى يثبت عنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قالها وكما كان الصحابة يشكون في أشياء
مثل رؤية الله وغير ذلك حتى يسألوا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ومثل الذي
قال: إذا أنا مت فاسحقوني وذروني في اليم؛ لعلي أضل عن الله ونحو ذلك؛ فإن هؤلاء لا
يكفرون حتى تقوم عليهم الحجة بالرسالة كما قال الله تعالى: {لئلا يكون للناس على الله
حجة بعد الرسل} وقد عفا الله لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان وقد أشبعنا الكلام في القواعد
التي في هذا الجواب في أماكنها والفتوى لا تحتمل البسط أكثر من هذا. والله أعلم.) مجموع
الفتاوى 35 / 164 - 166
وقال : (فإنا بعد معرفة ما جاء به الرسول
نعلم بالضرورة أنه لم يشرع لأمته أن يدعو أحدًا من الأموات لا الأنبياء ولا الصالحين
ولا غيرهم، لا بلفظ الاستغاثة ولا بغيرها، ولا بلفظ الاستعاذة ولا بغيرها، كما أنه
لم يشرع لأمته السجود لميت ولا إلى ميت ونحو ذلك، بل نعلم أنه نهى عن كل هذه الأمور،
وأن ذلك من الشرك الذي حرمه الله ورسوله. لكن لغلبة الجهل وقلة العلم بآثار الرسالة
في كثير من المتأخرين؛ لم يمكن تكفيرهم بذلك حتى يتبيّن لهم ما جاء به الرسول مما يخالفه)
اهـ الاستغاثة والرد على البكري 411
وسئل عمن يسأل اهل القبور قضاء الحاجات
وتفريج الكربات فأجاب:
(هذا الشرك إذا قامت على الإنسان الحجة
فيه ولم ينته، وجب قتله كقتل أمثاله من المشركين، ولم يدفن في مقابر المسلمين، ولم
يصل عليه. وإما إذا كان جاهلا لم يبلغه العلم، ولم يعرف حقيقة الشرك الذي قاتل عليه
النبي -صلى الله عليه وسلم- المشركين، فإنه لا يحكم بكفره، ولاسيما وقد كثر هذا الشرك
في المنتسبين إلى الإسلام، ومن اعتقد مثل هذا قربة وطاعة فإنه ضال باتفاق المسلمين،
وهو بعد قيام الحجة كافر.) جامع المسائل 3/ 145-151
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق