الأربعاء، 9 سبتمبر 2020

آثار ائمة الإسلام المتقدمين والمتأخرين في الحكم بغير ما أنزل الله وتحكيم القوانين مع رد الشبهات

بسم الله الرحمن الرحمن وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبة اجمعين وبعد:

 

فهذه آثار ائمة السلف المتقدمين والمتأخرين في الحكم بغير ما أنزل الله وتحكيم القوانين كابر عن كابر وجيل بعد جيل.

(1)- حبر الأمة وترجمان القرآن الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما

روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44] قال:

(من جحد ما أنزل الله، فقد كفر، ومن أقرّ به، لم يحكم به فهو ظالم فاسق).

أخرجه الطبري في «جامع البيان» (6/166) بإسناد حسن. «سلسلة الأحاديث الصحيحة» للإلباني (6/114)

وقال طاووس عن ابن عباس -أيضاً- في قوله: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}؛

قال: (ليس بالكفر الذي يذهبون إليه).

أخرجه المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (2/522/574) بإسناد صحيح. «سلسلة الأحاديث الصحيحة» للإلباني (6/114)

وفي لفظ: (كفر لا ينقل عن الملة). وفي لفظ آخر: (كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق).

أخرجه المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (2/522/575) «سلسلة الأحاديث الصحيحة» للإلباني (6/114)

ولفظ ثالث: (هو به كفره، وليس كمن كفر بالله، وملائكته، وكتبه ورسله).

أخرجه المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (2/521/570) وإسناده صحيح.

(العلماء الأعلام الذين صرحوا بصحة تفسير ابن عباس واحتجوا به)

الإمام القدوة محمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (2/520)، الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام في الإيمان (ص 45)، الإمام ابن بطة في الإبانة (2/723)، الإمام ابن عبد البر في التمهيد (4/237)، الإمام البغوي في معالم التنزيل (3/61)، شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (7/312)، الإمام ابن القيم الجوزية في مدارج السالكين (1/335)، الحاكم في المستدرك (2/393)، ووافقه الذهبي، الحافظ ابن كثير في تفسيره (2/64) قال: صحيح على شرط الشيخين، الإمام أبو المظفر السمعاني في تفسيره (2/42)، الإمام أبو بكر بن العربي في أحكام القرآن (2/624)، الإمام القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (6/190)، الإمام البقاعي في نظم الدرر (2/460)، الإمام الواحدي في الوسيط (2/191)، العلامة صديق حسن خان في نيل المرام (2/472)، العلامة محمد الأمين الشنقيطي في أضواء البيان (2/101)، العلامة أبو حيان في البحر لمحيط (3/492)، العلامة الخازن في تفسيره (1/310)، العلامة السعدي في تفسيره (2/296)، محدث العصر العلامة الألباني في "الصحيحة" (6/109).

قال فقيه الزمان العلامة ابن عثيمين في "التحذير من فتنة التكفير" (ص 6):

(لكن لما كان هذا الأثر لا يرضي هؤلاء المفتونين بالتكفير؛ صاروا يقولون: هذا الأثر غير مقبول! ولا يصح عن ابن عباس! فيقال لهم: كيف لا يصحّ؛ وقد تلقاه من هو أكبر منكم، وأفضل، وأعلم بالحديث؟! وتقولون: لا نقبل ... فيكفينا أن علماء جهابذة؛ كشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم -وغيرهما- كلهم تلقوه بالقبول ويتكلمون به، وينقلونه؛ فالأثر صحيح.)

(2)- التابعي طاووس بن كيسان (المتوفى سنة : 106 هـ)

حدثنا هناد، قال: ثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن سعيد المكي، عن طاوس: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} [المائدة: 44] قال: (ليس بكفر ينقل عن الملة) بسند صحيح تفسير الطبري جامع البيان ط هجر (8/ 465)

(3) التابعي عطاء بن ابي رباح (المتوفى سنة: 114 هـ)

حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء، قوله: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} [المائدة: 44] {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون} [المائدة: 45] {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون} [المائدة: 47]

قال: (كفر دون كفر، وفسق دون فسق، وظلم دون ظلم)

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن أيوب، عن عطاء، مثله حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج، قال: ثنا حماد، عن أيوب بن أبي تميمة، عن عطاء بن أبي رباح بنحوه حدثنا هناد بن السري، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء، بنحوه حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء، بنحوه.  تفسير الطبري جامع البيان ط هجر (8/ 464)

(3)- إمام أهل السنة والجماعة الإمام أحمد بن حنبل (المتوفى سنة:241 هـ)

قال إسماعيل بن سعد في "سؤالات ابن هاني للإمام أحمد بن حنبل" (2/192):

(سألت أحمد: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}، قلت: فما هذا الكفر؟

قال: (كفر لا يخرج من الملة)

ولما سأله أبو داود السجستاني في سؤالاته (ص 114) عن هذه الآية؛ أجابه بقول التابعي طاووس والتابعي عطاء المتقدمين وهو أنه كفر اصغر ليس بمخرج من الملة.

وذكر شيخ الإسلام بن تيمية في "مجموع الفتاوى" (7/254)، وتلميذه ابن القيم في "حكم تارك الصلاة" (ص 59-60): أن الإمام أحمد -رحمه الله- سئل عن الكفر المذكور في آية الحكم؛ فقال: (كفر لا ينقل عن الملة؛ مثل الإيمان بعضه دون بعض، فكذلك الكفر، حتى يجيء من ذلك أمر لا يختلف فيه).

(4)- الإمام محمد بن نصر المروزي (المتوفى سنة: 294 هـ)

قال في "تعظيم قدر الصلاة" (2/520): (ولنا في هذا قدوة بمن روى عنهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين؛ إذ جعلوا للكفر فروعاً دون أصله لا تنقل صاحبه عن ملة الإسلام، كما ثبتوا للإيمان من جهة العمل فرعاً للأصل، لا ينقل تركه عن ملة الإسلامة، من ذلك قول ابن عباس في قوله: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}.)

وقال (2/523) معقباً على أثر عطاء:(- "كفر دون كفر، وظلم دون ظلم وفسق دون فسق"-: وقد صدق عطاء؛ قد يسمى الكافر ظالماً، ويسمى العاصي من المسلمين ظالماً، فظلم ينقل عن ملة الإسلام وظلم لا ينقل).

(5)- شيخ المفسرين الإمام ابن جرير الطبري (المتوفى سنة: 310 هـ)

قال في "جامع البيان" (6/166): (وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب: قول من قال: نزلت هذه الآيات في كفّار أهل الكتاب، لأن ما قبلها وما بعدها من الآيات ففيهم نزلت، وهم المعنيون بها، وهذه الآيات سياق الخبر عنهم، فكونها خبراً عنهم أولى.

فإن قال قائل: فإن الله تعالى قد عمّ بالخبر بذلك عن جميع من لم يحكم بما أنزل الله، فكيف جعلته خاصاً؟!

قيل: إن الله تعالى عمّ بالخبر بذلك عن قوم كانوا بحكم الله الذي حكم به في كتابه جاحدين، فأخبر عنهم أنهم بتركهم الحكم على سبيل ما تركوه كافرون، وكذلك القول في كلّ من لم يحكم بما أنزل الله جاحداً به، هو بالله كافر؛ كما قال ابن عباس).

(6) الإمام الآجري (المتوفى سنة: 360 هـ)

 روى رحمه الله بإسناده اثرا ثم علق عليه قال: (حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال: حدثنا المثنى بن أحمد قال: حدثنا عمرو بن خالد قال: حدثنا ابن لهيعة، عن عطاء بن دينار، عن سعيد بن جبير، في قوله تعالى: {وأخر متشابهات} قال: (أما المتشابهات: فهن آي في القرآن يتشابهن على الناس إذا قرءوهن، من أجل ذلك يضل من ضل ممن ادعى هذه الكلمة، كل فرقة يقرءون آيات من القرآن، ويزعمون أنها لهم أصابوا بها الهدى)

 قال الإمام الآجري تعليقا على الاثر السابق: (ومما تتبع الحرورية من المتشابه قول الله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} ويقرءون معها: {ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} فإذا رأوا الإمام يحكم بغير الحق قالوا: قد كفر، ومن كفر عدل بربه فقد أشرك فهؤلاء الأئمة مشركون، فيخرجون فيفعلون ما رأيت؛ لأنهم يتأولون هذه الآية) الشريعة للآجري (1/ 341)

 (7)- الإمام ابن بطة العكبري (المتوفى سنة: 387 هـ)

 قال في "الإبانة" (2/723): (باب ذكر الذنوب التي تصير بصاحبها إلى كفر غير خارج به من الملّة)، وذكر ضمن هذا الباب: (الحكم بغير ما أنزل الله)، وأورد آثار الصحابة والتابعين على أنه كفر أصغر غير ناقل من الملة).

 (8)- الإمام ابن عبد البر (المتوفى سنة: 463 هـ)

 قال في "التمهيد" (5/74): (وأجمع العلماء على أن الجور في الحكم من الكبائر لمن تعمد ذلك عالما به، رويت في ذلك آثار شديدة عن السلف، وقال الله عز وجل: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}، {الظَّالِمُونَ}، {الْفَاسِقُونَ} نزلت في أهل الكتاب، قال حذيفة وابن عباس: وهي عامة فينا؛ قالوا ليس بكفر ينقل عن الملة إذا فعل ذلك رجل من أهل هذه الأمة حتى يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر روي هذا المعنى عن جماعة من العلماء بتأويل القرآن منهم ابن عباس وطاووس وعطاء).

 وقال: (وقد ضلت جماعة من أهل البدع من الخوارج والمعتزلة في هذا الباب فاحتجوا بهذه الآثار ومثلها في تكفير المذنبين واحتجوا من كتاب الله بآيات ليست على ظاهرها مثل قوله عز وجل: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} وقوله: {أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون} وقوله: {إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين} وقوله: {إن هم إلا يخرصون} وقوله: {وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا} ونحو هذا وروي عن ابن عباس في قول الله عز وجل ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون قال ليس بكفر ينقل عن الملة ولكنه كفر دون كفر وقد أوضحنا معنى الكفر في اللغة في مواضع من هذا الكتاب والحجة عليهم قول الله عز وجل إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) التمهيد (17/ 16)

 (9)- شيخ الإسلام ابن تيمية (المتوفى سنة: 728 هـ)

 قال في بيان أن من يحكم بغير ما انزل الله لا يكفر الا بالاعتقاد، وأن التبديل هو من ينسب حكمه لله ولدينه كذبا وعمدا بغير تأويل: (والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه أو حرم الحلال المجمع عليه أو بدل الشرع المجمع عليه كان كافرا مرتدا باتفاق الفقهاء. وفي مثل هذا نزل قوله على أحد القولين: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} أي هو المستحل للحكم بغير ما أنزل الله، ولفظ الشرع يقال في عرف الناس على ثلاثة معان: "الشرع المنزل" وهو ما جاء به الرسول وهذا يجب اتباعه ومن خالفه وجبت عقوبته. والثاني "الشرع المؤول" وهو آراء العلماء المجتهدين فيها كمذهب مالك ونحوه. فهذا يسوغ اتباعه ولا يجب ولا يحرم، وليس لأحد أن يلزم عموم الناس به ولا يمنع عموم الناس منه. والثالث "الشرع المبدل" وهو الكذب على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أو على الناس بشهادات الزور ونحوها والظلم البين فمن قال إن هذا من شرع الله فقد كفر بلا نزاع. كمن قال: إن الدم والميتة حلال - ولو قال هذا مذهبي ونحو ذلك.) مجموع الفتاوى 267-268/ 3

 وقال بيان ان الالتزام يكون بالاعتقاد، وان الحكم بغير ما أنزل الله لا يكفر فاعله الا بالإعتقاد: (ولا ريب أن من لم يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله على رسوله فهو كافر، فمن استحل أن يحكم بين الناس بما يراه هو عدلا من غير اتباع لما أنزل الله فهو كافر؛ فإنه ما من أمة إلا وهي تأمر بالحكم بالعدل، وقد يكون العدل في دينها ما رآه أكابرهم، بل كثير من المنتسبين إلى الإسلام يحكمون بعاداتهم التي لم ينزلها الله سبحانه وتعالى، كسوالف البادية، وكأوامر المطاعين فيهم، ويرون أن هذا هو الذي ينبغي الحكم به دون الكتاب والسنة. وهذا هو الكفر، فإن كثيرا من الناس أسلموا، ولكن مع هذا لا يحكمون إلا بالعادات الجارية لهم التي يأمر بها المطاعون، فهؤلاء إذا عرفوا أنه لا يجوز الحكم إلا بما أنزل الله فلم يلتزموا ذلك، بل استحلوا أن يحكموا بخلاف ما أنزل الله فهم كفار، وإلا كانوا جهالا، كمن تقدم أمرهم. وقد أمر الله المسلمين كلهم إذا تنازعوا في شيء أن يردوه إلى اللهوالرسول، فقال تعالى: {ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا} [سورة النساء 59] .

وقال تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} [سورة النساء 65] فمن لم يلتزم تحكيم الله ورسوله فيما شجر بينهم فقد أقسم الله بنفسه أنه لا يؤمن، وأما من كان ملتزما لحكم الله ورسوله باطنا وظاهرا، لكن عصى واتبع هواه، فهذا بمنزلة أمثاله من العصاة.

وهذه الآية مما يحتج بها الخوارج على تكفير ولاة الأمر الذين لا يحكمون بما أنزل الله، ثم يزعمون أن اعتقادهم هو حكم الله. وقد تكلم الناس بما يطول ذكره هنا، وما ذكرته يدل عليه سياق الآية.

والمقصود أن الحكم بالعدل واجب مطلقا، في كل زمان ومكان على كل أحد ولكل أحد، والحكم بما أنزل الله على محمد - صلى الله عليه وسلم - هو عدل خاص، وهو أكمل أنواع العدل وأحسنها، والحكم به واجب على النبي - صلى الله عليه وسلم - وكل من اتبعه، ومن لم يلتزم حكم الله ورسوله فهو كافر.) منهاج السنة 5 / 130-133

 وقال في "مجموع الفتاوى" (7/312): (وإذا كان من قول السلف: (إن الإنسان يكون فيه إيمان ونفاق)، فكذلك في قولهم: (إنه يكون فيه إيمان وكفر) ليس هو الكفر الذي ينقل عن الملّة، كما قال ابن عباس وأصحابه في قوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} قالوا: كفروا كفراً لا ينقل عن الملة، وقد اتّبعهم على ذلك أحمد بن حنبل وغيره من أئمة السنة).

 قال شيخ الاسلام ابن تيمية في بيان اشتراط "الإعتقاد" في شرك الطاعة والحكم: (وهؤلاء الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً حيث أطاعوهم في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحلّ الله يكونون على وجهين:

أحدهما: أن يعلموا أنهم بدّلوا دين الله فيتّبعونهم على التبديل، فيعتقدون تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله اتباعاً لرؤساهم، مع علمهم أنهم خالفوا دين الرسل، فهذا كفر وقد جعله الله ورسوله شركاً وإن لم يكونوا يصلّون لهم ويسجدون لهم، فكان من اتبع غيره في خلاف الدين مع علمه أنه خلاف الدين واعتقد ما قاله ذلك دون ما قاله الله ورسوله مشركاً مثل هؤلاء.

والثاني: أن يكون اعتقادهم وإيمانهم بتحريم الحلال وتحليل الحرام ثابتاً، لكنهم أطاعوهم في معصية الله، كما يفعل المسلم ما يفعله من المعاصي التي يعتقد أنها معاص، فهؤلاء لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إنما الطاعة في المعروف}، وقال: {على المسلم السمع والطاعة فيما أحب أو كره ما لم يؤمر بمعصية}). مجموع الفتاوى 7/70

(10)- الإمام ابن قيم الجوزية (المتوفى سنة: 751 هـ)

قال في "مدارج السالكين" (1/336): (والصحيح: أن الحكم بغير ما أنزل الله يتناول الكفرين: الأصغر والأكبر بحسب حال الحاكم، فإنه إن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله في هذه الواقعة، وعدل عنه عصياناً، مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة؛ فهذا كفر أصغر. وإن اعتقد أنه غير واجب، وأنه مُخيّر فيه، مع تيقُنه أنه حكم الله، فهذا كفر أكبر. إن جهله وأخطأه، فهذا مخطئ، له حكم المخطئين.)

وقال في "الصلاة وحكم تاركها" (ص 72): (وههنا أصل آخر، وهو الكفر نوعان: كفر عمل. وكفر جحود وعناد. فكفر الجحود: أن يكفر بما علم أن الرسول جاء به من عند الله جحوداً وعناداً؛ من أسماء الرب، وصفاته، وأفعاله، وأحكامه. وهذا الكفر يضاد الإيمان من كل وجه.وأما كفر العمل: فينقسم إلى ما يضاد الإيمان، وإلى ما لا يضاده: فالسجود للصنم، والاستهانة بالمصحف، وقتل النبيِّ، وسبه؛ يضاد الإيمان. وأما الحكم بغير ما أنزل الله ، وترك الصلاة؛ فهو من الكفر العملي قطعاً).

(11)- الحافظ ابن كثير (المتوفى سنة: 774 هـ)

 قال رحمه الله في "تفسير القرآن العظيم" (2/61): ({وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} لأنهم جحدوا حكم الله قصداً منهم وعناداً وعمداً، وقال ههنا: (فَأُوْلَـئِكَ هُم الظَّالِمُونَ) لأنهم لم ينصفوا المظلوم من الظالم في الأمر الذي أمر الله بالعدل والتسوية بين الجميع فيه، فخالفوا وظلموا وتعدوا).

 شبهة استدلال الخوارج بكلام الامام ابن كثير وكذبهم عليه رحمه الله والرد على ذلك بالنصوص والبراهين

 يستدل الخوارج بما قاله الإمام ابن كثير في التحاكم إلى الياسق في التفسير والتاريخ، قال في تفسير قوله تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ}: (ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم...وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله...كما يحكم بها التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جينكيزخان الذي وضع لهم "الياسق"، وهو كتاب مجموع من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها، وفيها الكثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه فصارت في بنيه شرعا متبعا يقدمونه على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يحكم سواه في قليل وكثير.) تفسير ابن كثير (2/68).

 وقال في البداية والنهاية: (من ترك الشرع المحكّم المنّزل على محمد خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر، فكيف بمن تحاكم إلى الياسق وقدمها عليه، ومن فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين) البداية والنهاية (13/119).

 ورد هذه الشبهة وكذب الخوارج على العلماء من خلال الأمور الآتية:

1- أن جنكيزخان كان كافرا اصليا ولم يكن مسلماً.

2- أن التتار كانوا يعتقدون أن جنكيزخان رسول وابن لله عز وجل -تعالى الله عما يقولون-.

3- ان التتار كانوا يعتقدون بشريعة الياسق أنها دين مساوي لدين الرسول صلى الله عليه وسلم.

4- أن المتحاكمين إليها أو الحاكمين بها يفضلونها على شرع الله المنزل على محمد خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم، أو يساوونه به أو ينسبونها لله تعالى.

فصل في بيان حال التتار وعقيدتهم في جنكيزخان وشريعة الياسق:

أ- قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله- في بيان أن التتار كانوا يعتقدون أن جنكيزخان رسول: «وهم مع هذا يجعلونه أعظم رسول عند الله في تعظيم ما سنّه لهم، وشرعه بظنِّه وهواه، حتى يقولوا لما عندهم من المال: هذا رزق جنكسخان، ويشكرونه على أكلهم وشربهم، وهم يستحلون قتل من عادى ما سنه لهم هذا الكافر الملعون المعادي لله ولأنبيائه ورسوله وعباده المؤمنين» كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في الفقه (28/522).

وقال أيضًا: «وذلك أن اعتقاد هؤلاء التتار كان في جنكستان عظيمًا؛ فإنهم يعتقدون أنه ابن الله من جنس ما يعتقده النصارى في المسيح، ويقولون: إن الشمس حَبَّلَت أمه، وأنها كانت في خيمة فنزلت الشمس من كوة الخيمة فدخلت فيها حتى حَبِلت، ومعلوم عند كل ذي دين أن هذا كذب، وهذا دليل على أنه ولد زنا، وأن أمه زنت فكتمت زناها، وادعت هذا حتى تدفع عنها معرة الزنا» السابق (28/521).

وقال أيضًا: « كما قال أكبر مقدميهم الذين قدموا إلى الشام، وهو يخاطب المسلمين ويتقرب إليهم بأنا مسلمون، فقال: هذان آيتان عظيمتان جاءا من عند الله: محمد وجنكستان، فهذا غاية ما يتقرب به أكبر مقدميهم إلى المسلمين؛ أن يسوي بين رسول الله وأكرم الخلق عليه، وسيد ولد آدم، وخاتم المرسلين، وبين ملك كافر مشرك من أعظم المشركين كفرًا وفسادًا وعدوانًا من جنس بختنصر وأمثاله» «مجموع الفتاوى» (28/521).

وقال في بيان حال التتار: «يجعلون دين الإسلام كدين اليهود والنصارى، وأنها كلها طرق إلى الله، بمنزلة المذاهب الأربعة عند المسلمين، ثم منهم من يرجِّح دين اليهود أو دين النصارى، ومنهم من يرجِّح دين المسلمين» «مجموع الفتاوى» (28/523).

وقال أيضًا: «حتى إن وزيرهم هذا الخبيث الملحد المنافق صنف مصنفًا مضمونه: أن النبي صلى الله عليه وسلم رضي بدين اليهود والنصارى، وأنه لا ينكر عليهم، ولا يذمون، ولا ينهون عن دينهم، ولا يؤمرون بالانتقال إلى الإسلام» «مجموع الفتاوى» (28/523).

ب- وقال الذهبي في بيان اعتقاد التتار في جنكيزخان: «ودانت له قبائل المغول، ووضع له ياسة يتمسكون بها لا يخالفونها ألبتة، وتعبدوا بطاعته وتعظيمه» سير الأعلام (22/228).

ج- وقال السيوطي بيان اعتقاد التتار في جنكيزخان: «واستقل جنكيزخان ودانت له التتار وانقادت له، واعتقدوا فيه الألوهية» تاريخ الخلفاء (1/427).

د- وقال السبكي حاكيا عن جنكيزخان أنه: «أمر أولاده بجمع العساكر واختلى بنفسه في شاهق جبل مكشوف الرأس وافقا على رجليه لمدة ثلاثة أيام على ما يقال فزعم –عثره الله- أن الخطاب آتاه بأنك مظلوم واخرج تنتصر على عدوك وتملك الأرض برا وبحرا، وكان يقول: الأرض ملكي والله ملكني إياها» طبقات الشافعية (1/332، 333).

وقال أيضًا أن جنكيزخان كان كافراً اصلياً: «ولا زال أمره يعظم ويكبر، وكان من أعقل الناس وأخبرهم بالحروب ووضع لهم شرعا اخترعه ودينا ابتدعه -لعنه الله- "الياسا" لا يحكمون إلا به، وكان كافرا يعبد الشمس» الطبقات (1/329).

فتبين من هذه النقول كافراصلياً وأنه كان يدعي أن رسول وأن التتار كانوا يعتقدون ذلك فيه.

وقد وصف الحافظ ابن كثير ما صدر من كفر جنكيزخان فقال: «ذكر بعضهم: أنه كان يصعد الجبل ثم ينزل، ثم يصعد ثم ينزل مرارا حتى يعي ويقع مغشيا عليه، ويأمر من عنده أن يكتب ما يلقى على لسانه حينئذ... فالظاهر أن الشيطان كان ينطق على لسانه بما فيها. وذكر الجويني أن بعض عبادهم كان يصعد الجبال للعبادة فسمع قائلا يقول: إنا قد ملكنا جنكيزخان وذريته وجه الأرض» البداية والنهاية (13/118).

فهذه أوصاف التتر وأحوالهم، ولذلك نقل الحافظ ابن كثير -رحمه الله- إجماع المسلمين على كفرهم وهو الحق المبين؛ فهذا الحكم خاص بملوك التتر، ومن كان مثلهم، وصنع صنيعهم.

الأمر الخامس: وصف ابن كثير وغيره مما سبق ذكرهم أحكام الياسق بـ«الشرع» وفسره السبكي بقوله: «ووضع لهم شرعا اخترعه ودينا ابتدعه؛ دليل على استحلالهم لهذه الأحكام الجاهلية بجعلها دينا من عند الله، وهذا كفر» الطبقات (1/329).

ويلاحظ في في هذا الوصف: التبديل والاختراع والتعبد، قال ابن العربي: «إن حكم بما عنده على أنه من عند الله فهو تبديل يوجب الكفر» أحكام القرآن (2/624).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «والشرع المبدل: هو الكذب على الله ورسوله أو على الناس بشهادات الزور ونحوها والظلم البين، فمن قال: إن هذا من شرع الله فقد كفر بلا نزاع» مجموع الفتاوى (3/268).

وقال الجصاص: «من حكم بغير ما أنزل الله ثم قال: إن هذا حكم الله فهو كافر كما كفرت بنو إسرائيل حين فعلوا ذلك» أحكام القرآن للجصاص (4/93).

فعلة الكفر التبديل والتقول على الله والكذب على الله ورسوله، وقد فعل جنكيزخان كل هذا.

الأمر السادس: تكفير ابن كثير لهؤلاء المتحاكمين مشروط بتقديم شرعهم المخترع على شرع الله، قال الحافظ في ذلك: « فصارت في بنيه شرعا متبعا يقدمونه على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن فعل ذلك منهم فهو كافر»، وكذا قال: « فكيف بمن تحاكم إلى الياسق وقدمها عليه».

والتقديم هنا: يعني التفضيل، وهو عمل في القلب أي اعتقاد الأفضلية، فهذا يكفر صاحبه، ولا تعني كلمة التقديم هنا التقديم الظاهري بالحكم بغير حكم الله، وإلا للزم منه أن يكون الذي يحكم بغير حكم الله، ولو في قضية واحدة، مقدمًا لحكمه على حكم الله، فليزم دخوله في هذا الإجماع وتكفيره بذلك، وهذا باطل قطعا، ويؤيد ما قررت: أن ابن كثير ذكر التقديم في البداية والنهاية مقرونًا بالتحاكم إلى الياسق، فدل هذا على أن التحكام يختلف عن التقديم؛ إذ لو كان التقديم هو مجرد التحاكم لكان تكرارا ليس له معنى، قال ابن كثير: « فكيف بمن تحاكم إلى الياسق وقدمها عليه» ومنه الكفر يقع على المتحاكم الذي يقدم -أي يفضل- شرع الله على غيره وليس مجرد التحاكم فقط بل يشترط التفضيل الذي هو من الاستحلال الذي لا يكون إلا في الكفر الأصغر.

وهنا نقف لكي نقرر على ما تقدم: بأن القانون الوضعي ليس بشرع، ولم يتعبد به الناس، وليس بمقدم على شرع الله في قلوب الحكام، وإن كان الحكم به واقع في بلادهم، إلا أن القياس الذي عقده الخوارج بقياس القانون الوضعي على الياسق قياس مع الفارق من جميع الوجوه.

ويكون قياسًا صحيحًا لو أن القانون اعتبر شرعا بديلا لحكم الله ويحكم به بين الناس على أنه حكم الله، ويجعل دينًا مقدما ومفضلا على شريعة الله، هنا يكون القياس صحيحا، فمثل هذا الحاكم يكفر بما صنع واخترع، وبما اعتقد في قلبه واقتنع.

فلقد أجمع أهل السنة والجماعة على أن ترك الحكم بغير ما أنزل الله مع الإيمان بأصله ليس بكفر ولا شرك مخرج من الملة، وإنما كبيرة:

قال الإمام السمعاني: «واعلم أن الخوارج يستدلون بهذه الآية، ويقولون: من لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر، وأهل السنة قالوا: لا يكفر بترك الحكم» تفسير السمعاني (2/42).

وقد تكلمنا عن مفهوم الخوارج في هذه الآية ورددناه في موضعه عند الكلام على قوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ الله فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}، وقد رجحنا هناك أن ترك الحكم بذلك ليس شرك بالإتفاق، وأصل الإيمان موجود لم ينتف، فيجوز للحاكم أن يرجع بالتوبة، ويغفر الله له ما كان.

فعلى ما في مذهب أهل السنة وما تقرر فيه وما اتفقوا عليه من أن الحاكم لا يكفر بترك الحكم، وعليه يفهم كلام ابن كثير، فإن الخوارج يرددون كلامه ولا يعلمون أن العلامة ابن كثير يعتمد على ما تقرر في عقيدة أهل السنة والجماعة، فحدثنا عن الياسق ويعلم أن من ورائه سيفهم أنه لا يقاس عليه ترك الحكم كما عند أهل السنة، إلا إذا صنع الحاكم مثل ما صنع جنكيز خان من التبديل والتحريف والكذب والاختراع، وجعله دينا للناس وتفضيله على دين الله، فهذا لا شك سيكفر بذلك لأنه استحل ذلك، كما هو معلوم، وهذا ما عليه أكثر أهل العلم.

الأمر السابع: لقد أوضح العلماء حكم العمل بالقوانين الوضعية استحلالا او تفضيلا او مساواتا، فقال العلامة عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن: (وإنما يحرُم إذا كان المستند إلى الشريعة باطلة تخالف الكتاب والسنة، كأحكام اليونان والإفرنج والتتر، وقوانينهم التي مصدرها آراؤهم وأهوائهم، وكذلك البادية وعادتهم الجارية... فمن استحل الحكم بهذا في الدماء أو غيرها؛ فهو كافر، قال تعالى : {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} ... وهذه الآية ذكر فيها بعض المفسرين: أن الكفر المراد هنا: كفر دون الكفر الأكبر؛ لأنهم فهموا أنها تتناول من حكم بغير ما أنزل الله، وهو غير مستحل لذلك، لكنهم لا ينازعون في عمومها للمستحل، وأن كفره مخرج عن الملة) منهاج التأسيس (ص 71).

وقال العلامة سليمان بن سمحان شارحًا ذلك: (يعني أن استحل الحكم بغير ما أنزل الله ورأى أن حكم الطاغوت أحسن من حكم الله، وأن الحضر لا يعرفون إلا حكم المواريث، وأن ما هو عليه من السوالف والعادات هو الحق، فمن اعتقد هذا فهو كافر، وأما من لم يستحل هذا، ويرى أن حكم الطاغوت باطل، وأن حكم الله ورسوله هو الحق، فهذا لا يكفر ولا يخرج من الإسلام) مجموعة الرسائل (3/309).

وخاتمة القول في مسألة قياس القوانين الوضعية على الياسق، فأقول: اعتمادًا على ما اتفق عليه أهل العلم سلفا وخلفًا فإن تبين أن جنكيزخان ادعى انه رسول واخترع دينًا ونسبه إلى الله تعالى وزعم أنه من وحيه وقد اختار لنفسه الشمس يعبدها ليتقرب إلى الله، وطلب من رعيته أن يتقربوا إلى الله بما شاؤوا، ثم إنهم كانوا يعتقدون فيه النبوة، وأن شرعه وحى من الله ففضلوه على الكتاب والسنة، واعتبروه خيرا من الإسلام كما صرحوا بذلك، ويعلم منه أنه لا علاقة لهذه الأمور الكفرية بالقوانين الوضعية الموجودة الآن فالقياس باطل كاذب.

(12)- الإمام الشاطبي (المتوفى سنة: 790 هـ)

قال في "الموافقات" (4/39): (هذه الآية والآيتان بعدها نزلت في الكفار، ومن غيّر حكم الله من اليهود، وليس في أهل الإسلام منها شيء؛ لأن المسلم -وإن ارتكب كبيرة- لا يقال له: كافر).

(13)- الإمام ابن أبي العز الحنفي (المتوفى سنة: 791 هـ)

قال في "شرح الطحاوية" (ص 323): (وهنا أمر يجب أن يتفطن له، وهو: أن الحكم بغير ما أنزل الله قد يكون كفراً ينقل عن الملة، وقد يكون معصية: كبيرة أو صغيرة، ويكون كفراً: أما مجازاً؛ وإما كفراً أصغر، على القولين المذكورين. وذلك بحسب حال الحاكم: فإنه إن اعتقد أن الحكم بما أنزل الله غير واجب، وأنه مخير فيه، أو استهان به مع تيقنه أنه حكم الله؛ فهذا أكبر. وإن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله، وعلمه في هذه الواقعه، وعدل عنه مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة؛ فهذا عاص، ويسمى كافراً كفراً مجازيا، أو كفراً أصغر. وإن جهل حكم الله فيها مع بذل جهده واستفراغ وسعه في معرفة الحكم وأخطأه؛ فهذا مخطئ، له أجر على اجتهاده، وخطؤه مغفور.)

(14)- الإمام المجدّد محمد بن عبدالوهاب (المتوفى سنة: 1115 هـ)

قال في بيان نواقض الإسلام: (الرابع: من اعتقد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه، كالذين يفضلون حكم الطواغيت، على حكمه، فهو كافر.) الرسائل الشخصية (ص: 213)، الدرر السنية (2/ 361)

(15)- العلامة عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ (المتوفى سنة: 1293 هـ)

قال في "منهاج التأسيس" (ص 71): (وإنما يحرُم إذا كان المستند إلى الشريعة باطلة تخالف الكتاب والسنة، كأحكام اليونان والإفرنج والتتر، وقوانينهم التي مصدرها آراؤهم وأهوائهم، وكذلك البادية وعادتهم الجارية... فمن استحل الحكم بهذا في الدماء أو غيرها؛ فهو كافر، قال تعالى : {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} ... وهذه الآية ذكر فيها بعض المفسرين: أن الكفر المراد هنا: كفر دون الكفر الأكبر؛ لأنهم فهموا أنها تتناول من حكم بغير ما أنزل الله، وهو غير مستحل لذلك، لكنهم لا ينازعون في عمومها للمستحل، وأن كفره مخرج عن الملة).

(16)- العلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي (المتوفى سنة: 1307 هـ)

قال في "تيسير الكريم الرحمن" (2/296-297): (فالحكم بغير ما أنزل الله من أعمال أهل الكفر، وقد يكون كفرً ينقل عن الملة، وذلك إذا اعتقد حله وجوازه، وقد يكون كبيرة من كبائر الذنوب، ومن أعمال الكفر قد استحق من فعله العذاب الشديد .. {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} قال ابن عباس: كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق، فهو ظلم أكبر عند استحلاله، وعظيمة كبيرة عند فعله غير مستحل له).

(17)- العلامة صديق حسن خان القنوجي (المتوفى سنة: 1307 هـ)

قال في "الدين الخالص" (3/305): (الآية الكريمة الشريفة تنادي عليهم بالكفر، وتتناول كل من لم يحكم بما أنزل الله، أللهم إلا أن يكون الإكراه لمهم عذراً في ذلك، أو يعتبر الاستخفاف أو الاستحلال؛ لأن هذه القيود إذا لم تعتبر فيهم، لا يكون أحد منهم ناجياً من الكفر والنار أبداً).

(18)- سماحة الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ (المتوفى سنة: 1389 هـ)

قال في "مجموع الفتاوى" (1/80) له: (وكذلك تحقيق معنى محمد رسول الله: من تحكيم شريعته، والتقيد بها، ونبذ ما خالفها من القوانين والأوضاع وسائر الأشياء التي ما أنزل الله بها من سلطان، والتي من حكم بها [يعني القوانين الوضعية] أو حاكم إليها؛ معتقداً صحة ذلك وجوازه؛ فهو كافر الكفر الناقل عن الملة، فإن فعل ذلك بدون اعتقاد ذلك وجوازه؛ فهو كافر الكفر العملي الذي لا ينقل عن الملّة).

تنبيه: هذه الفتوى مؤرخة بتاريخ (19/1/1385)، وهي مفصلة لما أجمل في رسالة: "تحكيم القوانين" فهي متأخرة عنها بخسمة سنين لأن الطبعة الأولى للرسالة كانت في سنة 1380هـ.

وقد اكد الامام ابن باز رحمه الله أن هذا مذهب شيخه ابن ابراهيم ونقل الإجماع على ان الحاكم بالقوانين لا يكفر الا بالاعتقاد فقد سئل رحمه الله:

هل الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله- يرى تكفير الحكام على الإطلاق؟

فأجاب: (يرى تكفير من استحل الحكم بغير ما أنزل الله فإنه يكون بذلك كافرا. هذه أقوال أهل العلم جميعا: من استحل الحكم بغير ما أنزل الله كفر، أما من فعله لشبهة أو لأسباب أخرى لا يستحله يكون كفرا دون كفر.) مجموع فتاوى ابن باز (28/ 272)

(19)- العلامة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي (المتوفى سنة: 1393 هـ)

قال في "أضواء البيان" (2/104): (واعلم: أن تحرير المقال في هذا البحث: أن الكفر والظلم والفسق، كل واحد منها أطلق في الشرع مراداً به المعصية تارة، والكفر المخرج من الملة أخرى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ} معارضاً للرسل، وإبطالاً لأحكام الله؛ فظلمه وفسقه وكفره كلها مخرج من الملة. {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ} معتقداً أنه مرتكب حراماً، فاعل قبيحاً، فكفره وظلمه وفسقه غير مخرج من الملة).

وقال في بيان اشتراط "الاعتقاد" لكفر المشرع: (فالإشراك بالله في حكمه كالإشراك به في عبادته، قال في حكمه: {ولا يشرك في حكمه أحدا}. وفي قراءة ابن عامر من السبعة: {ولا تشرك في حكمه أحدا} بصيغة النهي.

وقال في الإشراك به في عبادته: {فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا}، فالأمران سواء كما ترى إيضاحه إن شاء الله.

وبذلك تعلم أن الحلال هو ما أحله الله، والحرام هو ما حرمه الله، والدين هو ما شرعه الله، فكل تشريع من غيره باطل، والعمل به بدل تشريع الله ← عند من يعتقد أنه مثله أو خير منه كفر بواح لا نزاع فيه) اضواء البيان 8/48

وقال في بيان أن شرك الطاعة هو شرك الحكم وانه لا بد فيه من استحلال: (وإن أطعتم أتباع الشيطان في تحليل ما حرمه الله {إنكم لمشركون} بالله شركا أكبر، كما قال في هؤلاء {إنما النسيء زيادة في الكفر} وهذا الشرك شرك أكبر مخرج عن الملة؛ لأنه شرك طاعة، وشرك الطاعة شرك في الحكم) العذب النمير (5/ 485)

(20)- سماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز (المتوفى سنة: 1420 هـ)

قال رحمه الله: (اطلعت على الجواب المفيد القيّم الذي تفضل به صاحب الفضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني – وفقه الله – المنشور في جريدة "الشرق الأوسط" وصحيفة "المسلمون" الذي أجاب به فضيلته من سأله عن تكفير من حكم بغير ما أنزل الله – من غير تفصيل -، فألفيتها كلمة قيمة قد أصاب فيه الحق، وسلك فيها سبيل المؤمنين، وأوضح – وفقه الله – أنه لا يجوز لأحد من الناس أن يكفر من حكم بغير ما أنزل الله – بمجرد الفعل – من دون أن يعلم أنه استحلّ ذلك بقلبه، واحتج بما جاء في ذلك عن ابن عباس -رضي الله عنهما- وغيره من سلف الأمة.

ولا شك أن ما ذكره في جوابه في تفسير قوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}، {...الظَّالِمُونَ}، {...الْفَاسِقُونَ}، هو الصواب، وقد أوضح – وفقه الله – أن الكفر كفران: أكبر وأصغر، كما أن الظلم ظلمان، وهكذا الفسق فسقان: أكبر وأصغر، فمن استحل الحكم بغير ما أنزل الله أو الزنا أو الربا أو غيرهما من المحرمات المجمع على تحريمها فقد كفر كفراً أكبر، ومن فعلها بدون استحلال كان كفره كفراً أصغر وظلمه ظلماً أصغر وهكذا فسقه). جريدة الشرق الأوسط في عددها (6156) بتاريخ 12/5/1416

تنبيه: من استمع إلى شريط: "الدمعة البازية" الذي تضمن تسجيلاً لمجلس علمي راود فيه مجموعة من الدعاة ذائعي الصيت الإمام ابن باز في مسألة الحكم بغير ما أنزل الله؛ ليقول بالتكفير المطلق بدون تفصيل، فكانوا يحاورنه فيه محاورة شديدة تشبه المحاصرة وأُتي الشيخ من بين ويديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله، فكان -رحمه الله- ثابتاً راسخاً كالطود الأشم لا يتزعزع ولا يجزع ولا يلين ولا يأبه لما قالوه أو نطقوا به، فكان يؤكد بأن الحكم بغير ما أنزل الله: لو بدل، أو وضع القوانين العامة لا يكفر، ما لم يكن ثمّت استحلال ظاهر معين، وكان يقول: (وخلاف هذا مذهب المبتدعة الخوارج). فرحمه الله رحمة واسعة.

(21)- محدث العصر العلامة محمد بن ناصر الدين الألباني (المتوفى سنة: 1420)

قال في "التحذير من فتنة التكفير" ( ص 56): ( ... {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}؛ فما المراد بالكفر فيها؟ هل هو الخروج عن الملة؟ أو أنه غير ذلك؟، فأقول: لا بد من الدقة في فهم الآية؛ فإنها قد تعني الكفر العملي؛ وهو الخروج بالأعمال عن بعض أحكام الإسلام.

ويساعدنا في هذا الفهم حبر الأمة، وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، الذي أجمع المسلمون جميعاً – إلا من كان من الفرق الضالة – على أنه إمام فريد في التفسير.

فكأنه طرق سمعه -يومئذ- ما نسمعه اليوم تماماً من أن هناك أناساً يفهمون هذه الأية فهماً سطحياً، من غير تفصيل، فقال رضي الله عنه: "ليس الكفر الذي تذهبون إليه"، و:"أنه ليس كفراً ينقل عن الملة"، و:"هو كفر دون كفر"، ولعله يعني: بذلك الخوارج الذين خرجوا على أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، ثم كان من عواقب ذلك أنهم سفكوا دماء المؤمنين، وفعلوا فيهم ما لم يفعلوا بالمشركين، فقال: ليس الأمر كما قالوا! أو كما ظنوا! إنما هو: كفر دون كفر...).

(22)- فقيه الزمان العلامة محمد بن صالح العثيمين (المتوفى سنة: 1421 هـ)

سُئل في شريط "التحرير في مسألة التكفير" بتاريخ (22/4/1420) سؤالاً مفاده:

إذا ألزم الحاكم الناس بشريعة مخالفة للكتاب والسنة مع اعترافه بأن الحق ما في الكتاب والسنة لكنه يرى إلزام الناس بهذا الشريعة شهوة أو لاعتبارات أخرى، هل يكون بفعله هذا كافراً أم لابد أن يُنظر في اعتقاده في هذه المسألة؟

فأجاب: (... أما في ما يتعلق بالحكم بغير ما أنزل الله؛ فهو كما في كتابه العزيز، ينقسم إلى ثلاثة أقسام: كفر، وظلم، وفسق، على حسب الأسباب التي بُني عليها هذا الحكم، فإذا كان الرجل يحكم بغير ما أنزل الله تبعاً لهواه مع علمه أن بأن الحق فيما قضى الله به ؛ فهذا لا يكفر لكنه بين فاسق وظالم، وأما إذا كان يشرع حكماً عاماً تمشي عليه الأمة يرى أن ذلك من المصلحة وقد لبس عليه فيه فلا يكفر أيضاً، لأن كثيراً من الحكام عندهم جهل بعلم الشريعة ويتصل بمن لا يعرف الحكم الشرعي، وهم يرونه عالماً كبيراً، فيحصل بذلك مخالفة، وإذا كان يعلم الشرع ولكنه حكم بهذا أو شرع هذا وجعله دستوراً يمشي الناس عليه؛ نعتقد أنه ظالم في ذلك وللحق الذي جاء في الكتاب والسنة أننا لا نستطيع أن نكفر هذا، وإنما نكفر من يرى أن الحكم بغير ما أنزل الله أولى أن يكون الناس عليه، أو مثل حكم الله عز وجل فإن هذا كافر لأنه يكذب بقول الله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} وقوله تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ}.)

(23)- اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في السعودية

 الفتوى رقم (6310): س: ما حكم من يتحاكم إلى القوانين الوضعية، وهو يعلم بطلانها، فلا يحاربها، ولا يعمل على إزالتها؟

ج: (الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسوله، وآله وصحبه؛ وبعد:

الواجب التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم عند الاختلاف، قال تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}، وقال تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا}. والتحاكم يكون إلى كتاب الله تعالى وإلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن لم يكن يتحاكم إليها مستحلاً التحاكم إلى غيرهما من القوانين الوضعيه بدافع طمع في مال أو منصب؛ فهو مرتكب معصية، وفاسق فسقاً دون فسق، ولا يخرج من دائرة الإيمان).

(24)- الشيخ عبد المحسن العباد البدر -حفظه الله-

سُئل في المسجد النبوي في درس شرح سنن أبي داود بتاريخ: 16/11/1420 :

هل استبدال الشريعة الإسلامية بالقوانين الوضعية كفر في ذاته؟ أم يحتاج إلى الاستحلال القلبي والاعتقاد بجواز ذلك؟ وهل هناك فرق في الحكم مرة بغير ما أنزل الله، وجعل القوانين تشريعاً عاماً مع اعتقاد عدم جواز ذلك؟

فأجاب: (يبدو أنه لا فرق بين الحكم في مسألة، أو عشرة، أو مئة، أو ألف – أو أقل أو أكثر – لا فرق؛ ما دام الإنسان يعتبر نفسه أنه مخطئ، وأنه فعل أمراً منكراً، وأنه فعل معصية، وانه خائف من الذنب، فهذا كفر دون كفر.

وأما مع الاستحلال – ولو كان في مسألة واحدة، يستحل فيها الحكم بغير ما أنزل الله، يعتبر نفسه حلالاً-؛ فإنه يكون كافراً).

(25)- الشيخ صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله-

مجموعة فتاوى الشيخ في مسألة تحكيم القوانين الوضعية والتشريع العام والرد على الخوارج

وفيها اشتراط الاعتقاد ونقل الاجماع عليه ↓↓

https://youtu.be/nThOBWVG1wg

هذا ما تيسر جمعه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق